أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - المنصور جعفر - التأثيل (1)















المزيد.....



التأثيل (1)


المنصور جعفر
(Al-mansour Jaafar)


الحوار المتمدن-العدد: 2956 - 2010 / 3 / 26 - 23:25
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



تمهيد:

"التأثيل" محاولة لإجتراح أسلوب جديد في العملية التاريخية لتكون المعرفة يجمع فيها إلى الأسلوب الفلسفي والأسلوب العلمي سمات أسلوب ثقافي.

يبدأ هذا الإجتراح البسيط بسرديات تحاول تعزيز تشابك موضوعات الإقتصاد والسياسة والإجتماع والثقافة في الذهن وإبعاده من فصلها عن بعضها. وفي هذا السبيل إذ يعمد "التأثيل" إلى بعض تواريخ المعارف العامة لأمور الإقتصاد والسياسة والإجتماع والثقافة وعلومها فهو ينظر إلى كيفية بلورة فلسفتها وعلمنتها، فاحصاً تواريخ بعض إصطلاحاتها، منبهاً إلى بعض تاريخها الطبقي، وإلى سيمياء دالاتها في بعض صيغها الأوربية المترجمة أو بعض صيغها "العربية الإسلامية" أو في تداولها الشائع حاضراً، محاولاً بجدل التاريخ واللغة كشف الطبيعة العامة للمادة المعرفية والإصطلاحية وتاريخ عناصرها وتنوع دلاتها.

"التأثيل" ليس كتاب إختصاص أكاديمي واحد بل يزعم محاولة بناء كيان ذهني جديد في السلسلة التاريخية لعوالم المباني الذهنية، وهي سلسلة بدأت قديماً ببناء "عالم الأسماء" وتحديد الأشياء لغة ً بلا إبهام وصولاً بتصفية المعاني إلى "الحق" صوفية ثم إرتفع الذهن من عالم الأسماء ببناء عالم جديد هو "عالم الحجة" وتعيين المعاني وإثباتها أو نفيها وبه وبعده إرتقى الذهن لبناء جديد لإصطفاء الأفكار و"الفلسفة" كعملية ذهنية لتنظيم التفكير في التفكير، حيث سمقت الفلسفة بـ"النظر" في العلوم بانية "الفلسفة العلمية"، ومن جدلهما بدأ بناء "العلم الحديث" في الإرتفاع كعملية نظرية وعملية لدراسة الظواهر المتنوعة في الطبيعة والطبيعة الإجتماعية بلغت بـ"علم التاريخ" وفلسفته الجدلية لمراحل حركة المجتمعات حال بناء "الوعي" كإدراك لطبيعة وحركة الإجتماع البشري وصيرورته، هادفاً إلى تغيير نقائضه ببناء يحاول التأثيل الإسهام فيه وهو بناء "علم الثورة الإجتماعية" المتكون بإسهام أرقى العلوم والفلسفات النظرية والعملية في عملية تحرر البشر من الإستغلال.

الإضافة الجديدة لهذه الأبنية الذهنية وعوالمها التي ينشدها هذا الكتاب المواشج للغة والتاريخ هي: بناء أسلوب معرفة يجسر بين "النظر" و"التأمل"،وذلك بتجديد الخطابات المألوفة عن موضوعات التاريخ الإقتصادي الإجتماعي السياسي تجديداً نافياً لقصرها كـ"تاريخ حضارات" سحنته أسماء الأماكن والقادة والملوك والمباني والعقائد أو لتكرارها كـ"تاريخ صراع طبقي وقومي" كيانه ضد الإستغلال والإضطهاد بحساب عددي للقوى والحاجات والقدرات والأعمال وطرق نظمها وبقاءها، يشرح بعض أسس الظواهر الإجتماعية القديمة أو الماثلة بأسلوب يمكن أهل اليوم فعلاًً من ريادة المستقبل وحضوره الآتي من الحياة الحاضرة.

فتجديداً لما سبق يشيد الكتاب نفسه كإضافة إلى المباني الذهنية المألوفة بإجتراحه تناول رأسي وأفقي جديد لتاريخ بعض الإصطلاحات، ولتاريخ حركة بعض الفهوم المُشَكِلَة للتاريخ الذهني لكلمات التاريخ والمنمطة له على معنى معين.

تتبلور هذه الإضافة بالإفادة من علم "تاريخ الكلمات" Etymology الذي تترجمه لغة العرب تأثيلاً وتأصيلاً لمعنى بعض المفردات في جهة الماضي! وهي ترجمة تؤرخ المفردات والإصطلاحات السياسية خارج سياق الصراع الطبقي والقومي المحيط بها. كذلك يحاول هذا الكتاب الإفادة ببعض علوم اللغة والخطاب الإشارات والدالاتSymantec وتفسير النصوص والتأويل وجدل تحديد وإطلاق المعاني بين المؤطر والمفهوم. كذلك يحاول هذا الكتاب بأوليات العلمين السابقين تجاوز إنحصار "النظر" وتجاوز إنبهام "التأمل"، بانياً في الأذهان والمعارف وسيلة تصفية وسبك هي: " تاريخ سبك ومواضعة الإصطلاحات الإقتصادية الإجتماعية السياسية "Etymohistorical-socioecnomicspolitical-terminologication أو بحذف تعيين الإصطلاحات Eytmoterminologication وأسميته من اللغة العربية بكلمة مفردة واحدة هي "التأثيل" وذلك لما في معانيها وفي دالاتها من وحدة ضدية واسعة تشمل كينونتي: ضبط وحصر المعني والسعة فيه والإفساح، مما هو مجدول بـخمسة هي: "الدرس" ، و"النظر"، و"الأخلاق" بمعنى المبادئي الموجهة بـقيم ، و"العمل"، و"التقويم".
لكن "التأثيل" لا يظهر كلمة واحدة، ولا ينبغي له، فهو بدوره كأي إصطلاح يتضمن عناصراً أولية، وحركة، وآفاق. بعض هذه الآفاق مفتوح في صفحات هذا الكتاب أما عناصره الأولى فبالإمكان إختصارها في الكلمات المفتاحية الآتي بيانها:

الكلمات المفتاحية لـ "التأثيل":
1- "التاريخ"، كدراسة للتغيرات وفق علامات موضوعية،
2- "الإصطلاحات" كمفردات تركيز وتعيين وتحديد في الموضوعات الإقتصادية الإجتماعية السياسية، وكمفردات إضمار وإزاحة ونقل.
3-"المواضعة"، بتثبيت فهم معين في وضع ثقافي أو نقله إلى آخر،
4- "الحركية" التي تنشأ بحال تغير الإصطلاحات والمواضعات، وزحزحتها.

الفضائل والأخلاق النظرية التي يحاول التأثيل تحقيقها هي:
1- التنبيه إلى حركية الإصطلاحات من دالة معينة إلى أخرى ومن نظام إلى آخر
2- أهمية فحص المكون الطبقي والسياسي في بنية بعض الإصطلاحات التاريخية
3- تنمية شكل جديد من الدراسات الثقافية للتاريخ يتناول فيه تاريخ الإصطلاحات
4- حل بعض الإشكالات الذهنية السياسية للإتصال في بيئة متمايزة الثقافات
5- تنمية الفلسفة المادية التاريخية ضد الفلسفات المثالية الذهنية والأسمية الظاهرية
6- تجديد التفكير الإشتراكي بدراسة تاريخ الإصطلاحات والنظر في تطور الجدل بين تاريخ الحياة الثقافية وتشكلات اللغة وتاريخ العلم، بصورة علمية تاريخية.

الخط العام للتأثيل وحركة شغله:
تمحيص التاريخ والفلسفة والخطاب بالنظر إلى تاريخ الإصطلاحات ومعانيها وموضوعيتها وثقافة نباتها ونشأتها وتغيرها عبر المراحل التاريخية وفي مختلف البلاد والمجتمعات وبين الطبقات الإقتصادية الإجتماعية والوجهات السياسية حسب طبيعة صراعات المصالح بين القوى المسيطرة في المجتمع والقوى المصارعة لها.

أمثلة:
كلمة "فتح" مفردة ذات مدلول موجب للفاتح يخفي طبيعتها ودالتها الإستعمارية، كذلك كلمة "سلام" تخفي كثير من مقدمات الحروب، أيضاً كلمة "تجديد" حين تبعث أفكاراً أو نظماً قديمة، فهي كلمات مكامن ومخارج يحتاج فحصها إلى تبين القسمات الموضوعية في كل دالة، وإيضاح الظرف الزمكاني ونوع التاريخ الذي نسبت إليه النظرة أو المفردة أو الدالة أو المعنى أو الأعمال، و إيضاح طبيعة النسب بينهما، وكذا الإصطلاحات من نوع "حرية"، و"ثقافة"، و"ديمقراطية" و"رأسمالية" و"إرهاب" .. إلخ التي تملأ الكتب والصحف والإذاعات المشتغلة بالأمور العامة، كثير منها حمال أوجه.

لكن التأثيل لا يكتفي بهذه العمليات الدرسية والتأريخية فقط بل يكثر فيها أشياء من الفحص والتأمل تتناول جدل بعض السمات في الثقافات القديمة أو الحديثة وبيئتها ومناخها الذهني وتنوع نباتها وأشجارها وإختلاف منازلها وحدائقها وذلك لسببين:
1- فهم حياة الثقافات وطبيعة خطاباتها ونتائجها بنحو أدق وأكبر وأفضل للمستقبل.
2- فهم طبيعة تعايش الحياة الحاضرة مع بعض الثقافات أو مع آثارها بصورة أدق في عناصرها وأكبر في مساحتها وأكثر شمولاً وتنوعاً في أبعادها، بحيث تولد من الفهم الجديد إمكانية تغيير السمات الثقافية والعملية للحاضر نحو وضع أكثر إنسجاماً وتناسقاً في بنياته.

السببان المشار إليهما أعلاه يتطلبان إحتواء التأثيل أشياءاً من تاريخ ثقافة التفكير والخطاب المعبر عنه ونمو الأحوال الحياتية والذهنية لإنتاج إصطلاح "العقل"، ولإنتاج إصطلاح "الوعي" وهو أمر يتعلق بـأوليات "التأثيل" وقصة تكونه:







أوليات التأثيل وقصة تكونه:

من جدل الصوفية والحكمة في السودان القديم Khem أوEgyptos تناءت الإختصاصات إذ ماز "الإعتقاد" بما فيه من تأمل عن "العلم" وما فيه من تحديد وحساب وتسجيل، وزاد الفرق بينهما في تاريخ المعرفة بإنقسام بعض أتباع فيثاغورث وتلاميذه -بأثر الحرف والتجارة ومعاملاتهما- إلى رؤويين وحاسبين، ومن جدلهما نشطت "السفسطة" بأستاذية جورياس نشاطاً للتيقن والإثبات حجة فوق حجة أو للنفي حجة ضد أخرى أو أسلوب ضد آخر حتى وهنت عند إمامهم سقراط بتباين أسئلته التفكيكية أول أمره عن أسئلته الكلية الجامعة أخر حياته، ثم جد التمايز القديم بين "الفهم" و"العقل" بإختلاف بين تفكيرين هما: 1- تفكير أفلاطون (تلميذ سقراط) بتشتته (جدلاً) بين أولية "الفهم" والتأمل، أو أولية "حساب" أساليب الفهم و"قوانينه"! وبين تقديره أن "الإدراك" و"المعرفة" هما مجرد "إنعكاس" ظاهرة معينة في ذهن الإنسان! 2- التفكير الآخر نقيض الجدل الفكري عند أفلاطون - نشأ بجهد تلميذه المتمرد "أرسطو" (إبن طبيب حاكم مقدونيا) مائزاً بأسلوبه الطبي في معرفة الظواهر: بداية بفحص عناصرها بدراسة تحدد تفاصيلها، وبتصنيفها بطبيعة خواصها إلى جماد وحيوات والحيوات إلى نباتات وحيوانات..إلخ واصفاً عناصر الطبيعة بأنها مادية ذات حركة وتاريخ قبل إتجاه بذهنية التصنيف الى "الطبيعة العليا" أو "ما بعد الطبيعة"Metaphysics أو Mitaphysics.إسهاماً بدأ به تبلور "الفلسفة العلمية" ونشوء وإرتقاء العلم التجريبي القائم على التحديد والرصد والتعيين والفرض والتجربة والبرهان والتسجيل والتقويم والنقاش، وبجدل أسلوبي التفكير زاد الإنقسام القديم بين الكهنة والعلماء، راقياً بنشاط "إخوان الصفا" كما علا بجدل "العمرانيين" و"الأخلاقيين" و"الطبيعيين" حتى قام ماركس وإنجلز بتمحيص تاريخي لكينونة "العلم" وكينونة "الفلسفة" والصلات الإرتقائية بينهما مًُظهرين سؤدد الأسلوب "التاريخي" في "العلم" وان سمة العلم الرئيسة هي: دراسة مراحل وبنيات وجود عناصر شيء ما وأسباب وأشكال تغيره وآثاره.

تطبيق جانب من النُظم التاريخي على كينونات "العلم" وتطبيق جانب من نظامية العلم على "التاريخ" رسم كينونة ظاهرة "الجدل" Dialectic بإختزال أجمله هيجل في التأمل والتفكير والتفاكر في البناء النظري لأعمال "الفكر" Thought مما صيره التعليم والإعلام السائد في النصف الأول من القرن التاسع عشر الأوربي أرقى فلسفة! وصار فكر الفلسفة أو فلسفة الفكرIdealism (أرقى) أشكال الطبيعة فيما عرفه الدهريون وأهل فلسفة الطبيعة بـإسم "الفلسفة المثالية".

كان ذلك الرقي النظري الفكري السائد في أرقى مؤسسات التعليم الأوربي آنذاك جاهلا -بقدر ما- ظاهرة جدل عناصر الطبيعة الفيزياوية والكيماوية والحيوية وحركة إستواء هذه العناصر في بنيات وأشكال معينة، وإرتقاءها بفعل الجدل القائم بعمليتي الإتحاد والنفي من حالة التشكل البسيط لكياناتها الأولى إلى حال كيانات وأشكال أكثر وأعقد حاجة وإشباعاً وجدلاً.


الدالة الكبرى على ذاك الجهل أن التعليم والإعلام السائد آنذاك حبس الجدل الواسع في شكل ذهني صوري يدور حول ذاته بلوره هيجل في كينونات "تمظهر الروح" (= الفيض والتجلي) و"أصول فلسفة الحق" وأعماله الأخرى العبقة بتبحر ذهنه بالشكل اليهودي من الصوفية والوافرة من ذخر عقله بـ"التأمل" في جدل فلاسفة اليونان وتاريخ نمو أفكارهم، فبهذا التجلي والتدقيق حول هيجل كينونة "الديالكتيك" من سمة عامة للحياة وتعين الأشياء في الطبيعة إلى "فلسفة" ذهنية همها "صحة التفكير" بأقانيم تمثل القدر وقفاً لـ(تدهور العالم) وإصحاحاً كتابياًَ ملأه هيجل بـ"التأمل" في الأفكار وتوالدها في نوع من "جدل الباطن" مركزاً إياها في خطاب فلسفي خاتم سرعان ما نقضه هيجل بخطاب جديد فاتح كان مفاده القيم: (ان الصراع بين الفكرة وإنتقادها يلد فكرة جديدة)!!

جهة هذا الإتجاه الفكري الخالص الذي تتوالد فيه الأفكار والإفتراضات إلى الأبد دون عمل مفيد من العلم بها، قام ماركس وإنجلز -بأسلوب أرسطو- بفتح الفهم العام لجدل حركة عناصر الطبيعة وإرتقاء عناصرها وبنياتها بتناقض الإتحاد والنفي، فأخرجاه من إنبهامات الصور الذهنية والتأمل الأفلاطوني المفتوح في إفتراضات وإحتمالات لانهائية الفلسفة إلى رحاب العلوم والحياة الإجتماعية، مبلورين فهم "الديالكتيك" بكينونته التي نعرفها حاضراً كـ: حال لتناقض حركة وتعين عناصر الطبيعة في أشكال محددة بسنن بلازما الفيزياء والكيمياء والأحياء وجدل الطاقة السوداء وطاقة النجوم. كان إرتقاء ماركس وإنجلز بكينونة إصطلاح "الجدل" ومواضعاته في بنية العلم وتعينه في بنية النشاط البشري إرتفاعاً من حالة إنبهام الذهن وأنساقه الفلسفية إلى حال "فهم الأسس المادية في التاريخ لحركة المجتمعات" إسهاماً بعملية وفكرة تعيينهم العملي-العلمي للجدل في الحياة الإجتماعية في نفي أسس وأفكار الإنبهام الفلسفي والنظري وموضوعاته إسهاماً رقى وإرتقى بتطور حركة العلوم الطبيعية من العشواء إلى النظام، وإلى الإفادة من العلوم الطبيعية في فهم النظام الذهني لحركة الأفكار والنظام الفكري لحركة الأذهان في تحديد طبيعة النظام الإجتماعي وبعض عناصره الرئيسة البشر والعمل والإنتاج وقواه وعلاقاته وآثاره، والأهم إمكانية علاج علله وتغييره إلى الأفضل محولين كتابة التاريخ من مجرد حكاوى مترخة عن ملوك وقصص عن المفاخر الحربية والأدبية والعجائب إلى دراسة موضوعية، منظومة بقوانين حركة الطبيعة وصورتها الإجتماعية المتشكلة إقتصاداً وسياسة وثقافة، دراسة ذات قواعد حسابية مرقومة 1، و2 ، 3، لأسباب ووسائل ونظم وأشكال التطور الإقتصادي- السياسي الإجتماعي والثقافي، دراسة لا تكتفي بإستقراء مستقبل الحياة من حاضر المجتمع بل تكافح لتحقيق المستقبل من قلب الحاضر في سمت عالمي وذلك بلزمها دراسة ما يتعلق بهذه الأطوار في كل مجال رئيس، في كل بلد ومجتمع، وعياً وإتقاناً وإحساناً.

مما سبق تظهر ضرورة نظرية وعملية لفهم العلاقة التاريخية بين كينونات "الإصطلاحات" وكينونات "المواضيع" و"الأنساق" النظرية والإجتماعية التي تجري فيها.

لذا فهذا الكتاب في جهده إلى جمع الأسلوب الفلسفي والأسلوب العلمي في المعرفة إلى أسلوب ثقافي يضاف إليهما هو"التأثيل" فإنه يحاول ذلك أيضاً بشرح ثقافي لعلامات الطبيعة التاريخية للمعرفة والعلوم الإجتماعية والفلسفة حيثما يمثل "التاريخ" سمةً لـ"العلم" بإعتباره نسق معرفة مكون بتعيين أطوار حركة الأشياء ومستقبلها وميسماً للفلسفة العلمية وإطار توليد الثقافة وكياناتها.


مواضعة الفهوم (المفاهيم): بوضع الفهوم المتنوعة للفلسفات والإصطلاحات وفق دالات تقارب أو دالات تباعد بين كل من نسق "التاريخ" ونسق "المستقبل"، يحاول التأثيل في حالة التباعد: إيضاح أن إصطلاحية بعض المفردات وأهميتها قد تتغير سلباً وفق "الثقافة السائدة". اما في حال كانت مفردات ودالات الإصطلاح تؤشر إلى التقارب بين المستقبل والتاريخ وفق موضوعية ـ تكون المستقبل في قلب التاريخ- فإن إصطلاحية بعض المفردات يختلف تأثرها وتأثيرها ثقافةً ويتجادل حضورها بين "ثقافة المراحل التاريخية" و"الثقافة السائدة في مرحلة تاريخية" بشكل متنوع يميل الكتاب إلى عرضه مباشرة بأسلوب تخديم إصطلاحات معينة في شرح أحوال غير التي نشأت فيها، ولكنها وفق خلفيات الثقافة السائدة، قد تعطي معنى أفضل للإصطلاح أو قد تزيل منه معنى سالب إستقر عنه في الأذهان .

حركية التأثيل:
في فحص المواضعة التاريخية للإصطلاحات في موضوعات شتى أهمها سياسة في الخضم العالمي: عمليات تجديد الإمبريالية لقواها، وعمليات تجديد الشيوعية لقواها حيث يتشابه إسم الفعل بينما تتغاير الآليات والمصالح في المجتمعات لذا تتضح أهمية عملية للتأثيل في فحص الطبيعة الطبقية والطبيعة الثقافية لإقتصاد كلمات معينة في التداول أو صرفها كإصطلاح. إسهاماً منه في معرفة طبيعة النصوص المتشابهة الإصطلاحات، وفي معرفة طبيعة المراحل التاريخية والمصالح الإجتماعية المُتَكلم عنها بصورة سالبة أو بصورة موجبة.


هذا الكتاب رغم تركيز بعضه على فحص بعض "الإصطلاحات" فحص ماركس "المسألة اليهودية" ولـ "البضاعة" في أولياتها وفي إنتاجها وفي مراكمة الأرباح والسلطات بها، لا يحسب نفسه كتاباً نضيداً لبعض علوم اللغة أو فلسفتها، ولا يحصر نفسه فيها، تماماً مثلما لم يكن كتاب ماركس "إسهام في نقض الإقتصاد السياسي" كتاباً خالصاً في الإقتصاد كما لم يكن كتاباً خالصاً في "التاريخ" أو في "الإجتماع" فهذا الكتاب مجرد جزء من بداية لتحرير بعض قيم الثقافة السياسية السائدة من الحاجة إلى جلب أو إلى رفض عنصر "الثقافة" وتعيينه حيث ينشط التأثيل إلى جعله بداهة في الذهن.

ويفتتح التأثيل مهمة صعبة لتحويل "الثقافة" من علامة سيطرة ذهنية كما هي حاضرة في الخطابات السائدة إلى "بداهة" وذلك بإحصافه التعامل معها ومع كافة علامات التوجيه النظري بآلة فكرية جديدة تساعد بمنطق جدل التاريخ الثقافي السياسي للحياة الإقتصادية والإجتماعية للناس وسياستهم على تمحيص جوانب لحياة المجتمعات والجماعات وطبيعة تخديمها التاريخي لعناصر وعمليات لغوية ثقافية وعناصر وعمليات فلسفية وعلمية بعضها متباعد عن بعضها الآخر وبعضها متقارب، وإدراك أولاتها وطبيعة حركتها وتفاعلاتها وثمارها بداهةً.

المهمة السابقة في تحويل الثقافة من علامة إلى بداهة، ومن "معطى" كالحجر في عملية بناء إلى كينونة هندسة وجبر ومن نظرية إلى نسق تفكير هي مهمة تحدد طبيعة قيام هذا الكتاب بجسر بعض الإصطلاحات المتباعدة، وإقصاءه بعض الفهوم المعيقة لتناسق التقدم الإنساني، ويشمل ذا الجسر والإقصاء جمعاً او تفريداً بعض موضوعات الإقتصاد الإجتماع، الثقافة والسياسة لكنه ينظم عناصرها بطريقة تجمع بين "النظر" الحاسب كم العناصر وتنوعها و"التأمل" الإستخلاص الراكز إلى تحليل بنيات قيمها وعلاقاتها: ففي التأثيل وبه تتشابك بعض الأنساق والفهوم منفتحة بجدل عناصرها بعمليات وصور ينسرب فيها السرد بين تاريخ وأخر وثقافة وأخرى وموضوع وآخر بشكل يشبه إشتغال الكمبيوتر وتوزيعه الداخلي الدقائق الكهربية (الألكترومغنطيسيات) الداخلة إليه تياراً كهرباء، توزيعاً محسوباً لإيضاح الصورة أو النص بشاشته أياً كان محتواها، ولكن التأثيل يمتاز عنه بحيوية مضمونه المقوي نهج جمع المعارف Collective أو نهج الشمول في النظر وتنويع تعيين عناصر الظواهر المبحوثة Comprehensive وجمعهاCumulative خلال درس الأشياء ومحاولة معرفتها. كذلك يعزز التأثيل كينونة اللاخطية في التفكير واللامركزية النظرية في المعرفة معزاً التداخل بين الفلسفات الجزئية والعمومية والعلوم الإقتصادية الإجتماعية الإقتصادية والثقافية والحقوقية والسلوكية.

هذه الكتابة اللامركزية لا تنبني بصورة خطية متسلسلة رأسية من الألف إلى الياء وإلا فقدت التناسق المنطقي بين مبدأها في زيادة التنوع ومضمونها. فهي تحقق وجودها من تنوع وتوزع نقاطها في محاور وأنساق التتابع السردي الطولية مثلما تمتد أفقاً في كل موضوع محولة بهذا التشكل التفكير من خط إلى مجرة والذهن من مردد إلى آلة تأثيل أقصى فاتحة هذا التحويل في نوعية الإدراك والتذكر بألوان جمالية فنية تغير النمط الخطي السائد في عقليات الكتابة الفلسفية والكتابة العلمية وأكثر ألوان سرد الحكايات الكبرى، بتكسيرها طاغوت "العقل".

عملية فتح الأفق الجمالي لتحويل الخطوط المعرفية في الذهن إلى مجرة وما يواشجها من تكسير الترميز الرأسمالي لعلامة "العقل" وإفاضة قيمه لصالح الطبقة السائدة في العالم، تبدأ ثورةً بمراكمة وتنظيم نسق جديد لعملية المعرفة ينشط فيها بالثقافة وتأريخ بعض الإصطلاحات والوقائع ما رتََب وتكرر في الفلسفة والعلوم، مثلما يُنشط بجديد الفلسفة والعلوم ما خمد وتكرر ببعض تناولات الثقافة والتاريخ في النمط السائد عالم المعرفة، نقلاً للذهن من النمطية إلى حال الإبداع.

يحاول التأثيل القيام بهذا التغيير لنقل بعض الأذهان وآليات التفكير من حالة السلب والتكرار المقيت إلى حالة الإيجاب والإنطلاق بشكل يقوم بتجاوز الأبعاد الثلاثة أو الأربعة المألوفة في عمليات الإبداع والتلقي والقرآءة النظرية أو الحياتية بعملية جديدة متنوعة للإرتقاء بتركيبة الذهن وآليات إشتغاله تكدح به من حالة تكوين النقاط لخط واحد يقعد به في مجال واحد إلى حال تكوين الخطوط لكيانات فكرية وعملية متنوعة .

فالتأثيل فيه خروج من الإثنين الذين ألفهما ذهن القراء والتعاملات السائدة وهما:
1- كشف ديالكتيك الأشياء كغاية كبرى،
و 2- إستهلاك هذا الديالكتيك الجليل بفعل عقلية التجزئة والمراكمة العشواء، في مشروعات وجزئيات فكرية وسياسية قائمة على (بنية) خط سياسي، أكثر من قيام هذا الخط السياسي الإصلاحي السمة، شموليةً على البنية الطبقية والوطنية-القومية والجنسانية الأساس التي ترسخ فاعلية التطور والإرتقاء الإجتماعي بخطوطها المتنوعة والمتواشجة، وهو أمر واشج بقوة عوامل تفتت تلك الأفكار والمشروعات الإصلاحية في الأذهان وفي الحياة، وتفوق عوامل التفتت قوةً على عوامل التراكم الفعال لهذه الإصلاحات أو تلك.

فثورةً يحاول التاثيل بكتابته الثقافية والتاريخية في بعض نقاط الكينونات والإطلاقات الفكرية والعلمية الإجتماعسياسية إجتراح إمكانات نظرية فعالة لتجديد الحياة بأسلوبين متواشجين تواشج الشمس والضياء :
الأسلوب الأول: النهوض الثقافي بتاريخية الفلسفة والعلم بجمالية فكرة أو سياسة.
الأسلوب الثاني: مثاقفتان: 1- المثاقفة التاريخية الإجتماعية لفلسفة وفهم الناس أحوال الطبيعة. و2- المثاقفة الفلسفية للتاريخ الطبقي والقومي والجنساني السياسي لأطوار الحياة البشرية وإرتقاءها الإجتماعي من التكالب إلى الإنسانية.

في إشراق هذه الكتابة بجماليات جمع بعض كينونات الثقافة تاريخاً مع بعض كينونات الفلسفة والعلم وسموها بها والأذهان سماوات معرفة وإبداع، أو في إتقاءها أو طبها التناقضات الآزمة سيرورة الحياة بتقييدها حرية إرتقاء مجتمعاتها العاطبة إياها بإعتقال جدلها مما يعني إعتقال حيويتها، فإن كتابة التأثيل تمثل في الحالين كدحاً إلى ملاقاة الجمال الموضوعي والجمال الفني في كيانات التاريخ واللغة والتفكير والتصوير، كتابة تشطح إلى شيئ من سلامة "الذوق".




تــقــديـــــم:


تواجه الإنسان ومعرفته في القرن الواحد والعشرين ومابعده قضايا تحقيق أهداف عدداً تشمل: سياسة تحسن أمور حياته وتصون موارد عيشه، وإقتصاد يقل حرثه ويزيد نفعه، ونظم مفيد لإجتماع جنسيه وأسره وقومياته وأجياله، وثقافة من هذا الإجتماع تسر حياته وتشكيلها، صحة لكيانه وبيئته، وكلها أمور موصولة بإشتراك الناس في مقاليد السلطة والثروة.

وإزاء هذه القضايا يحاول هذا الكتاب أن يعقد إنفكاك الناس ويسرهم منها بالحرية من نواقصها والإسلام من أضرارها وذلك بزيادة دور المجتمعات في تحديد وتقويم مصالحهم وقدراتهم وفي الأعمال الذرورة واللازمة لوجود هذه المصالح والقدرات ونموها وعمرانها مما يتصل بـ:
1 - توزيع عادل لموارد العيش والنماء وجهوده والثمرات الناتجة عنه،
2- إتقان ووفاء في بناء وحساب أكيال موازين المصالح والقدرات،
3- إحسان تشكيل ومواشجة بنيات المجتمع، ضداً لأحوال الإستئثار والتكالب والإقصاء والشرزمة والحروب الظالمة التي نتجت في العالم وقراه عبر القرون بالتدافع القديم للمصالح، وبالموازين المطففة لتقدير الناس تلك المصالح، وبالعوج في تقويمها، وبالتكاثر الهلوك بفتنة الأموال.

فتيسيراً لتحرر الناس من بعض أغلال القرون يحشد هذا الكتاب قضايا وحيثيات شتى هادفاً من حشدها بأسلوب معين إلى وضع وإرساء نهج نظري-عملي جديد يتناول بكينونة شمولية جامعة أمور الحياة العملية والذهنية معاً: قرءآنها، ودفوعها، وإحسان وضع هذه الأمور العملية والذهنية بشكل حركي راق يجاوز الحالة الماثلة في مجتمعات العالم بتناقضاتها العدوة للوجود الكريم للإنسان، مما فصلت أجزاء من تقارير الأمم المتحدة للتنمية البشرية بعض تناقضاته الأوخم.

هذا التأثيل يأتي محاولة للإسهام في عملية خروج الناس من أزمة المجتمعات التراتبية وطاغوتها هدفاً بينه الكتاب بتركيزه على أمرين مهمين:

الأول: دفع الكينونات الذهنية والنضالية لتكون أكثر حركيةDiachronic وفعالية في تجاوز الأفكار والتكوينات الأحدية القديمة الملتبسة ببعض الأفكار العامة السائدة كـ: 1- الأفكار القائمة على القنوع بإطلاق "الطبيعة" وفضلها التلقاء على الإنسان وهي أفكار يابسة عدوة لنسبية حركة الطبيعة وتاريخيتها، و2- الأفكار والرؤى القائمة على الغلو في "الدين" وإبعاد الناس من آليات العلم والحكمة في نظم حياتهم.

الثاني: أن يُنشط بالتاثيل ويُخدم كآلة نظر وتفكير ضد الأفكار والتكوينات الواحدية (Mono) لحالة ديكتاتورية السوق وحرية حكمه موارد عيش الناس وجهودهم. أي ضداً لقيام السوق بحوز ثمرات جهود الناس دولة بين الأغنياء بكينونة التطفيف والتبخيس وإمكانات القمع العسكرية والسياسية والإعلامية والتعليمية لدولته المحلية أو لكيان الإمبريالية المستتبعة والتابعة له الدولة المحلية بحبال مادية ومعنوية.

فبهذا الكتاب يتكرس التأثيل نهجاً لتجاوز أسلوب تكون الأفكار الواحدية التي ترى أمور الدنياً كياناً صمداً نهائياً Synchronic ليس على الإنسان سعى إلى تغييرها ولا مسؤولية عليه في إعمارها بعمل متقن وإحسان وجودها ووجوده فيها.

كذلك فإن التأثيل ساع لإطلاق بعض كينونات ذهنية- نضالية ضمن الثورة الفكرية والعملية على حالة تكرار التراتب في مجتمعات العالم إستغلالاً وتهميشاً، بإعتبارها حالة عقلية مؤسسة من: 1- حرية التملك العشواء و2-محاولات الناس الحرية من حالة نقص ضرورات العيش والتكالب عليها. وهو سعي تبلورت به الإشتراكية العلمية ثورةًً نشطت بها تنظيرات ونضالات الماركسية-اللينينية ضد نُظم الإقطاع والإستعمار والإمبريالية العسكرية المالية والثقافية فاتحة مرحلة جديدة للتحرر الإجتماعي والذهني الوطني والأممي نفذت به وإرتقت إليه شعوب عددا.

في (عقل) "الإشتراكية العلميةًً" ينظر التأثيل إلى عملية تكون "الوعي" من حصالات متوالية لجدليات إجتماع العلم والفلسفة والتاريخ مع تواشج "الوعي" - في الآن نفسه- بعملية أخرى هي تكون فهوم وأحوال "الثورة" بإنعقاد حصالات العلم والتاريخ والفلسفة بحياة الناس الإنتاجية ونهوضهم ضد المظالم المصطنعة بالتملك الإنفرادي لموارد حياة المجتمع ووسائل إنتاجه ضرورات عيشه. ولكن في ذات الآن يتأمل التأثيل نمو الوعي والثورة معاً في خضم الجدل بين أحوال القوى المادية والبشرية للإنتاج في جهة، والعلاقات الموزعة لموارد الإنتاج وجهوده وثمراته في جهة كان يفترض توافقها مع أحوال قوى الإنتاج.

من النظر إلى التفاوت داخل الوعي بين مكوناته النظرية العلمية والتاريخية والفلسفية والتأمل في علاقة هذا التفاوت الخاص بالتفاوت العام بين مستوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج وكذلك في ظروف الحياة، فإن التأثيل يحاول بناء زيادة نوعية في الأدوات النظرية لمراكمة النهوض الثوري ضد كل ما يحدثه التفاوت والتناقض الأصيل بين الكينونة الإنتاجية الناظمة للإجتماع البشري وبين الطبيعة الإستهلاكية العشواء للإنتاج الرأسمالية وخصائصها المضادة للكينونات النظرية والعملية لشعارات "الحرية" و"الإخاء" و"التعاضد" و"السواسية" في المجتمع.

لكن في سياق تفعيل جهود الحرية والتعاضد والسواء في المجتمع يحاول هذا الكتاب بتأثيل الأحداث والفهوم المواشجة لها طرح نظر جديد في الحركة التقدمية والثورية قائم على شحذ الجدل بين بعض وجوه فلسفة الذهن وبعض الوجوه التاريخية لفلسفة الحركة الجدلية لوجود المادة، والإنتقال بهذا الجدل حياً -لا بشكل خلاصات نظرية- إلى مجالات نظرية وعملية لحرية البشر وقضايا التقدم الإجتماعي تحسيناً للوضع الفكري والعملي للنضال الإجتماعي، وإسهاماً في بناء آلة تنظير وتفكير ثوري تكسر مسألة سبق أولية الوعي الثورة أو تأسيسها هي للوعي؟، بأن يضفرهما معاً حالاً تاريخية وعملية لدرس مواضع وحياة وصلات وصيرورات الفهوم السياسية القائمة ضمن جدليات الحاضر، ومحاولة شحذه بها أو سَنهِا به.

فحال هذا الكتاب شبه إلى طبيعة وجود "الفهوم" و وجود "الوقائع" في التفكير: وخاصة التواشج بين كينونتيهما: كينونة تبلورهما ودولتهما في الذاكرة "نظراً" وكينونة الذهن وعملياته وطبيعة إشتغاله بهم في "تأمل" كينونة الحياة في سيرورات تناول الأمور وتركها، وفي مد الفهوم وحدها في حدود معينة بأسلوب على تفاوته يشمل القبض في طرح الوقائع وبسطها، وإفراد المعاني وإيضاحها وتكثيفها، فـ"مواضعة" كل هذه (الصور) بترتيب "نظري" معين في الذاكرة عبر "تأمل" و"عمل" يشمل التدقيق ومعرفة المقومات والمحركات الذهنية لصيرورة الوقائع والأحداث وجدلياتها. فهذا النشاط الذهني الواحد جهة أمر ما يـحاول التأثيل "النظر" فيه و"تأمله" وأخذه "عملاًً" إلى ثقافة الحياة الذهنية والعملية للبشر يضعه ضمن جهود الناس ونضالاتهم إلى الحرية في نظم قامعة يحاول فيها تجاوز حالة تكرار الكتابات السائدة عن الأسس والآفاق الأولى للوعي والثورة.. إلى ما بعدهما.

التأثيل كنهج ثقافي جديد لفتح أفق ما بعد الأوليات يجمع التناولات ذات الشكل الخطي المعزولة عن بعضها يضمها معاً كرةً مجرة تتقارب فيها الأفكار والوقائع والإصطلاحات وتتشابك محاولة منه لجسر الفروق المكونة بأحدية التناول الخطي وبـ"الحدود" التي تكونت أصلاًً في وقائع الحياة وخطوط نشاطها الإنتاجي والحيوي نتيجة عوامل عدداً، منها: التقسيم التاريخي للعمل في حياة الناس، وفصل النظر والعقل فيه عن النشاط العضلي، وتوزيع مهام العمل طبقات ومناطقاً ورجالاُ ونساء.

وبنهج التأثيل أسلوباً لتناول الموضوعات المتعلقة بـ"الإستغلال" و"التهميش" يحاول هذا الكتاب تجاوز بعض عوائق التحرر النظرية والعملية، هاماً فيها في جانب منه بجسر بعض ما بين "الثقافة" و"العلم" و"الفلسفة" و"الوعي" و"الثورة" من فروق ويحل بعض التناقضات الناشئة من مباعدتهم وحتى مباينتهم.

وإذ يجسر التأثيل بعض الفروق بين "الثقافة" و"العلم" و"الفلسفة" و"الوعي" و"الثورة" فبنظره إلى تكرسها متباعدة بالإنفصام التاريخي بين نشوء وتطور عمل بعض الناس لعيشهم بطبيعة عضلية، ونشوء وتطور عمل بعض آخر من الناس بطبيعة ذهنية يشتغل التفكير في حل قضاياها بأكثر من العضل. وهو تكريس يبدو ملازماً لطبيعة "النظر" إلى الحياة بدايةً من هذا التقسيم للعمل وتوزيع جهوده وخيراته، وموصولاً بتفارق الأفعال المواشجة هذين النوعين من العمل وبصرهما في جهة، والقيم والمثل المعقودة بهما أو الناظمة لهما في جهة أخرى.



فمحاولة للحرية من ظلامات التفارق القديم بين أسلوبي العمل العضلي والذهني وأثاره في تناول وقائع التفاوت والإستغلال والتهميش والأعمال والنظريات المتعلقة بالتحرر منها، في جهة توضح في تاريخ المجتمعات مع تقدم البشر بألاتهم ونظمهم وقيمهم ورقيهم بها في توزيع الجهود والثمرات عن حالة البهيمية والهمجية والقرون الأولى إلى حال إنسانية، يحاول هذا الكتاب جسر شيء من التباعد الزائد بين إقتدار الإنسان البصير إحقاق مصالحه ككائن جمعي، وإقتداره كفرد أنوي يلهيه التكاثر على إمازة نفسه ولو بهلاك أيديه، يقبضه وسائل حياة قراه ومجتمعاته وإيلاف نفسه ومن على شاكلته طبقة طاغية بمصالحها على مصالح سواد المجتمع وأساسه التعاوني.

فموضوع هذا الكتاب وغايته جزء من تطور حال قديم لحرية الناس من القيود التي تكبل تقدمهم الناسق والناسك لتجاوز حالة الضرورة إلى مقومات الحرية في الحياة والدين والإنتقال بها إلى حال لحرية الإرادة وإكرام العقل، تحقق للإنسان الكرامة في الوجود، والعمران المادي والثقافي للحياة بمختلف أشكالها وألوانها.

ولكن بين فهم حرية وكرامة الإنسان وفهم علاقة الفرد والتاريخ، يطرق التأثيل بعض الفهوم وبعض الأحداث وبعض الشخصيات الحديثة التي أسهمت من موقعها الطبقي في ظروف زمانها وبلادها في تشكيل أبرز المعالم الإقتصادية والسياسية والإجتماعية الثقافية للمرحلة التاريخية الحاضرة من مراحل تطور البشر.

ولتأثيل الجدل الثقافي بين كل من الأسلوب الفردي في الحياة، والأسلوب المكرس مصالح الجماعة في الحياة يتناول الكتاب جانباً من تناسق علاقات التنظير السياسي مع بيئة وطبيعة المجتمعات التي توجد فيها. وذلك لأهمية البيئة وطبيعة الإنتاج الذي تمارسه هذه المجتمعات في بيئتها في تشكيل طبيعة الأجواء والمناخات الذهنية والعقليـة التي تتكون بـتعامل الإنسان مفرداً مع هذه الطبيعة وإنتاجه لحاجاته فيها.

إضافة إلى ما سبق يتناول التأثيل بعض التواشج بين الأحوال العامة لتشكل الإنتاج ومجتمعه وأفكاره والسياسات المتعلقة بهم منبهاً لإنعقاد الإختلافات الثقافية في مجتمع معين بالإختلافات الإجتماعية الإقتصادية السياسية لكينونات ذلك المجتمع : فالثقافة السائدة في مجتمعات الإستغلال تأخذ أمور الطبيعة الإجتماعية بشكل أسمي ظاهري فردي القسمات ومنبت لا يرتبط فيه المعلول بعلة، وفق تصور مثالي أن الوجود هو مجرد صور ذهنية فردية بينما في مجتمعات التحرر من الإستغلال والتهميش تأخذ كتابات الوعي والتقدم الثوري أمور الطبيعة الإجتماعية كحال جمعي للتواشج والجدل بين عناصر عددا تتأثر بما حولها وتؤثر فيها، يخرج بتدافع قديمها وتحولاته ما هو طلق جديد يدافع غيره، وان بهذا الجدل والتدافع تزيد تجمعات الأشياء والحيوات راقية من حال بسيط العدد والتواشج إلى حال كثيف في بنيته المادية وفي تشكل معانيه، إضافة إلى تأثر الإنتاج وأحواله المادية والفكرية بالجغرافيا التاريخية لهذا المجتمع أو ذاك في نشؤه وتطوره وإرتقاءه.


ومن سعة الطبيعة والمجتمعات والأفكار والسياسات يتناول التأثيل بعض الأحداث والتنظيرات التي إرتبطت بتطور المجتمعات والأفكار والسياسات في كل من أوربا والعالم الثالث بإعتبارهما مركزين لعدد من التطورات التي شكلت واقع العالم وتطور أزماته السياسية-الإقتصادية-الإجتماعية-الثقافية بفعل تنظيم الإمبريالية لأوربا الغربية والولايات المتحدة كمركز زوج لنشاطها الإستئثاري، ولبقية العالم كمحيط وهامش لهذا المركز تكون منه أعظم أرباحها بإستغلاله مصدراً للخامات والعمل البخس ومجالاً لتصريف أزمات تنظيم مجتمعاتها ومهمشة تكاثر إحتياجاته، راسفة أغلال هذا التطفيف والتربح على عملية تحرر مجتمعاته من أحوال الحاجة إلى الضرورات المادية والثقافية للحياة والتكالب عليها.

في أوربا والعالم الثالث يتجه التأثيل في نواحي عددا منه إلى تناول بعض من ما يعرف بـعلم "تاريخ الثقافة" History of Culture وبعض من "علم إجتماع الثقافة" Sociology of Culture و"علم إناسة الثقافة" Anthropology of Culture يقرأ تاريخها بصورة مادية جدلية Dialectical Materialism مثلما يقرأ تطور النظرات المادية فيها بصورة تاريخية تراعي صور التلازم والتفارق بين الفكرة في تعيينها الواقعه و الفكرة في تعبيرها عن طبيعة وجود هذه الواقعة، فحصاً لطبيعة الفكر الناظر من خلال تعبيره، ومن خلال درس خصائص المرحلة التاريخية للتعيين والظروف الثقافية الإجتماعية للتعبير عن الفكرة-الواقعة. وهي صور في هذا الكتاب موصولة بالنظر إلى النشاط الأعم للبشر وهو الإنتاج من خلال تعيين تأثير قواه وعلاقاته وبنياته التحتية والفوقية في اللغة كلامها وعباراتها وإصطلاحاتها المخدمة في تأريخ تلك المناطق المكانية والزمانية.

في المناطق الثقافية المتقدة في العالم بتاريخ وثقافة أوربا يشتغل التأثيل بتبيين بعض أصول وأبعاد وتطورات أفكار إصطلاحات "الحرية"، و"المساواة" و"التعاضد"، و"التقدم"، و"الإشتراكية" في مرحلتين:
المرحلة الأولى : مرحلة "النهضة" Renascence الأوربية وقد تبلورت في التاريخ العالمي بتاثير عوامل داخلية عددا وعوامل خارجية مهمة منها: تضعضع سيطرة الإقطاع العروبي المستتر بالإسلام على العالم القديم وبداية تمدد الإقطاع العثماني المتستر بالإسلام في داخل أوربا وسيطرته البحرية. ونقطة تبلور الحركة العمرانية (الماسونية) في قلب الإقطاع الأوربي المستتر بالمسيحية وبداية سيطرته وهيمنته على العالمين القديم ثم (الجديد) وبداية التحول إلى الرأسمالية بتراكم كشوف وأعمال "النهضة".

المرحلة الثانية وهي مرحلة "التنوير" Enlightment التي تبلورت فيها الإصطلاحات العامة آخذة أبعاداً نظرية وفكرية وإجتماعية وسياسية ضمن مرحلة تحول أوربا إلى الرأسمالية الكبرى ثم الإستعمار.


في المرحلة الأولى "النهضة" بكشوفها الفلكية والجغرافية والفلسفية تأكدت بفلسفة عملية سمة مركزية الحياة البشرية في العالم، الذي كان حينذاك محفوفاً بالأباطرة والبطاركة المعتقدين بتمثيلهم إرادة الآلهة. ثم أنتج تراكم وتوقد وطفر أعمال "النهضة" في التاريخ مع عوامل أخرى بعض سمات ثقافة مرحلة "التنوير" العلمية والإجتماعية خاصة بداية تبلور "العلم الحديث". هنا يحاول التأثيل الإشارة إلى بعض أهم محاور تلك الحياة وهو المحور الذي يسميه "الحركة العمرانية" (المعروفة) بإسم "الحركة الماسونية"Free Masson وهي حزب عمران المباني والأفكار في جاهلية أوربا: ففي العلاقات الإقتصادية الإجتماعية والثقافية والسياسية لأوربا تلك المرحلتين يؤثل الكتاب نشاط "الحركة العمرانية" في قيادة تقدم مجتمعات أوربا بمجموعتين من العوامل مجموعة عوامل تغذية بالدرس والإتعاظ بالإرث الفني والتاريخي والأدبي والهندسي والعلمي، ومجموعة إطلاق التفكير والعمل بتراكم زوج من جلب ومن كشوف الفنون والجغرافيا والآلات والنظريات وتركيزها وتوسيعها مما زاد إنتاج السلع والخدمات والأفكار ونظمها، ثم تحول الإنتاج والعلم عن حالة الحرفية الفردية إلى حال أفكار وأعمال جمعية (صناعية).



هم التأثيل بحال "النهضة" وحال"التنوير" لأنهما شكلتا الملامح العامة لكيان لمعرفة الإنسانية المعاصرة، لا من حيث البنية العددية لرواد المرحلتين وأعمالهما وطبيعة إتصالهما بما سبقهما من رواد وأفكار وفلسفات العالم القديم، بل من حيث الظروف العامة الإقتصادية الإجتماعية السياسية والثقافية التي وشجت هيمنة وحتى إنطفاء بعض هذه الأفكار وتطوراتها، فالتأثيل في تأريخه الثقافة وفي تثقيفه التاريخ يشمل بعض تاريخ أفكار: "الحرية"Liberty و"الإخاء"Brotherhood و"الشراكة" في الجهود والمنافع العامة Egalitarianism، و"السوية" بين الناس في الحقوق والواجبات العامة Equality وبعض علاقات هذه الأفكار بكائنات فكرية فعالة ومؤثرة في حياتنا المعاصرة مثل "العـلم" Science و"الإجتماع" Sociology و"الإقتصاد"Economics وكذا تواشج هذه الدالات بأفكار وحـركات: "التقدم" Progressive Movement ووليدتيها: "الإشتراكية"Socialism ، و "الشيوعية" Communism وكلها كائنات فكرية أخرجت نضالاتها العالم من الإقطاع والإستعمار القديم، وأسهمت في تحرير دول مستضعفة كروسيـا والصين والهند وكوبا وبعض دول أمريكا الجنوبية من الجوع والجهل والمرض راقية بقدرات الناس فيها خلال زمن وجيز أججت فيه أفكار ونشاطات "العداء ضد الإستعمار والإمبريالية" Anti-Imperialism التي قادت بدورها لأفكار وحركات "التحرر الوطني"National Liberation و"السلام" Peace و"التنمية" Development و"البيئة" Environment و"حقوق الإنسان" Human Rights



وقد أثرت هذه الفهوم والحركات في صورها الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والسياسية الحياة البشرية إثراءاً عظيماً حتى جاوز عدد الدول المتحررة من الإستعمار الـمآئة وخمسون دولة، وبدأ العالم كله يتحدث عن ضرورة التوزيع العدل للموارد والسلطات كأساس موضوعي لإقرار كافة حقوق الإنسان محلياً ودولياً ولتحقيق التقدم الإنساني المتناسق والسلام.

من جدل تاريخ "حركات التحرر الوطني"، وتاريخ "الإستعمار الحديث" وموجته الراهنة يتناول التأثيل بعض ظروف تشكل وممارسة فهوم أفكار وتنظيرات "التطور اللارأسمالي"Noncapitalistic Advance وظروف تشكل وممارسة أفكار "الثـورة الوطنية الديمقراطية" National Democratic Revolution و"المدينة والريف" أو "المركز والهامش" Monopolies and Metropolis و"الوعي الجديد" Neo-Consciousness و"الماركسية" (المفرغة من الطبقية)، و"الماركسية الجديدة" New Marxism، وكذلك أفكار "الإتحاد القومي أو الإتحاد الوطني"National Union و"الإتحاد الإشتراكي" Socialist Union ثم "المجتمع المدني"Civil Society ، وأيضاً ما يعرف في الأدب الإشتراكي العلمي بـإسم "الظروف الخاصة لتحقق الإشتراكية في كل مجتـمع". كذلك يتناول التاثيل أوضاعاً وفهوم واشجت بعض تنظيرات وحركات متخصصة أو جزئية مثل : "الحركة النقابية"Trade Unionism و"حركة حقوق المرأة" Woman Rights و"النسوية"Feminism و"الرفض" Heepism ، و"الجنسية" Sexism وكذلك حركات "الإسلام السياسي"Political Islam و"الصهيومسيحية" السياسيةChristianzionism و أيضاً حركة "الخصوصية الثقافية" Privacy Cultural ، و"التنوع الثقافي" Multiculturalismو "واحدية الثقافة" Monoculturism وبعض ملامح نشوء وتطور وإستواء وتخلخل عملية وفهوم "الحداثة" Modernity و وليدتها الجدلية النقيضة الثائرة والمثيرة "ما بعد الحداثة"Postmodernism ونقدياتهما. يتناولها التأثيل بتفاوت مع شيء من إسهامها في أو تأثرها بالتناقضات الإجتماعية-الإقتصادية الثقافية لأزمة التنظيم الإمبريالي لحياة العالم بكل مجتمعاته. وتفاقمها بأفكار "المحافظة الجديدة" Neo-Conservatism وحركتها الدولية التي ماتت بنشاط المقاومات الشعبية في العالم ضد السيطرة الإمبريالية وبفعل أزمات المال التي ساهمت تلك الحركة في بلورتها من الأزمات السابقة بإطلاقها حرية السوق وتملك أفراده موارد المجتمعات وسيطرتهم على معيشته .
كذلك يتناول التأثيل بعض مقومات تشكل التنظيم الإمبريالي بإستئثار قلة من البشر بموارد ووسائل إنتاج ومعيشة سواد الناس من الزراع والعمال وعموم الكادحين، إذ يحارب التنظيم الرأسمالي حتى حقهم في التطلع إلى الحرية من هذا الوضع المأزوم، ولذا ففي تناوله الرأسمالية وشكلها الأعلى العالمي "الإمبريالية" يشمل التأثيل بعض ما في النضال الطبقي من أفكار إجتماعية سياسية. تأثيل هذه المواضيع يواشج تأثيل رئيس في الكتاب لعلاقات الفكر والحاضر مبلورة في صيغ "العلم"، و"الصـراع الطبـقـي"، و"الشيـوعـية" و"الرسملة"، و"الديـن" إذ يتناول الكتاب شيء من طبيعة الأوضاع الإجتماعية والثقافية المتصلة بهذه العلاقات أو التي قد تكون أثرت في تشكلها أو في تحديد أو في جرف أو في مد سيروراتـها.

يحاول الكتاب في هذه التناولات تجاوز أسلوب بعض كتابات السوفييت في السنوات بين 1956- 1991 رغم إن السوفييت كانوا هم الذين بدأوا ممارسة الإشتراكية وصناعة الشيوعية في الظروف الفعلية للحياة العالمية بعدما كانت الإشتراكية والشيوعية مجرد أفكار أولية في الكتب. فكتاباتهم التي كانت تبسيطاً أو شرحاً لتلك المبادئي غلبت العناية بالأوضاع والمفاهيم الطبقية والإقتصادية والسياسية القحة وقل فيها بحث الفهوم السائدة على الخبرات النفسية للشعوب، مهملين تحليل "الأعراف الثقافية" رغم تأسيسهم نظرية "الفعل المنعكس المُشترط" وتطويرها الذي حققته معاً أكاديمية العلوم وأكاديمية الطب في الإتحاد السوفييتي منذ صيف 1950 ومع ذلك لم تبذل كتابات السوفييت بعدها جهداً معتبراً في خريطة تاريخ مفاهيم تكون العقليات السائدة أو المضمرة، فجافت كتاباتهم الحذرة من "المثالية" بحث عقليات العالم القديم التي لم يزل أكثرها سائداً في عالم اليوم. كرست معالمها طوال ألآف السنين فنون القهر التي مارستها نظم الإستعباد والإقطاع القائمة على تقديس وتسيس ودولنة علاقات الدم-العقيدة والحكم النابع منهما، وعلى إستغراب وعداء ما هو مختلف عنها. مثل إستغراب البدو والحضر أو الأفارقة والآسيويين والأوربيين والامريكان بعضهم لشدة ما ألفوه في أنفسهم من خصائص معاشية وذهنية حتى ظنوها طبيعة لكل الناس والمجتمعات، يشذ عندهم ما يختلف عنها في البشر والأحوال والحوادث.

من ظاهرة تسلط بعض عناصر التراث القديم على ثقافة الحاضر، يتناول التأثيل بدقة ولطف بعض أعراف التفكير التي تقونم الحياة وحركة مجتمعاتها بتصورات قديمة قارة في الآذهان تتمظهر في شكل حِكم وأمثال بعضها متأثر في تكوينه بـ(فلسفة) بعض الناس تاريخ بعض ظواهر الطبيعة والمجتمع حولهم، إذ تربط بعض طبائع الإنسان وسلوكه بالتضاريس وعراً قاسيا أو سهلاً، وحيناً تشبه أحوال السياسة بتتال العطاء والجفاف، أو تعقد السياسة بالمناخ: الصفو هو ديمومة الحكم، والعصف هو الطلب والرفض، والهيجاء هي الثورة! أو تسقط حساب العدد في مراكب القديم على حال حديث بتشبيها تنوع الرئاسات بتعدد رببانة في سفينة! كذلك تقييم المجتمعات بمهن أصولها القدماء بالقول أن هؤلاء آبالة أو بقارة أو حشاشين أو حدادين أو ميز بعض الناس ببخس المعادن ونفيسها يُمثل المحكوم بالحديد والنحاس ويسبك العنصر الحاكم ذهباً مجمر! وكذا مشابهة أحوال الأفراد في المجتمع بأحوال الغابة: الملك فيها وفيهم هو الأسـد، والمحتجين والثوار هم الضباع آبناء آوى!

التأثيل في مجال الأعراف والتقاليد الثقافية للكلام والخطابة الذهنية يساهم في كشف إرتباط عملية توليد القيم الثقافية في المجتمعات المتخلفة علماً وصناعة بمشابهات عفوية لحدث في الطبيعة أو المجتمع القديم مصاغ كلاماً وتعميمه بمنطق بسيط على الحاضر من الحاضر في شكل حكم وأمثال تستخرجها من الماضي العناصر أو القوى سيدة اللحظة الكلامية وتعيد إنتاجها للتحكم في الذهن لأنها تجد آذاناً (صاغية) وأذهاناً صاغرة نفورة بحكم اللحظة من التحقق والبحث الحديث في قيمة هذا المثل أو ذاك، لعل ذلك لمواشجة تلك الأمثال إعتقاد ذهني بصحة القديم المكرر بينما تبلور أصله في وقت كان فيه الناس راسفين في العبودية والإقطاع.

إتجاه التأثيل يذهب ضد هذا الأسلوب القطعي الأبتر في التفكير ومشتقاته الحاضرة في جريان بعض الأمثال والحكم القومية وذلك لإسهام الطبيعة الجمدية لأكثر الأمثال الجارية في الأسواق أو في علاقات الأسرة في ترسيخ رؤى رجعية تؤثر بصورة سالبة في الحركة والفعالية الإجتماعية لبعض الأفكار والهيئات والنشاطات العلمية السياسية والثقافية الحديثة، ولكن إذ يحاول التأثيل عقد بعض جمود التفكير بقلة الدرس وكثرة المفاهيم الخام عن الطبيعة والحياة، فإن الأهم عنده هو إيضاح أن بطء التفكير وتأخره عن تغيير مظالم الحاضر متصل بقلة في الأدوات والنظم الذهنية التي تساعد الناس في إعمار فهومهم عن الطبيعة والحياة الإجتماعية وإحسانها، محاولاً توكيد أن الإملاق والجوع الفكري والخوف من إعمار الذهن وإستخلافه على أمور الحياة يرتبط أصلاً بضعف إشتراك الناس في نقاش وتقرير أمورهم وتوزيع جهود كدحهم وخيرات معاشهم وبتركهم -بحكم القهر الطبيعي والتاريخي- تقرير مصيرهم بيد الطبيعة ويد جبابرتها، لا بيد حكمة الجماعة المنتجة خيراتهم، ودون نظر منهم إلى العلاقة بين ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم.

من ما سبق كان تبلور التأثيل محاولةً لتشكيل أدوات ونظم عمل ذهنية جديدة من خلال تناول هذا الكتاب بعض من أوليات علوم الكلام والخطاب وتأويل إشارات اللغة وسمات سيمياءاتها وطبيعة تقعيد المعاني وفرزها أو إلباسها أو إبلاسها في خطاب ما بقصد تحقيق فهم وتصرف معين، مما هو موصول بتاريخ ثقافة الخطاب ونوعية بلاغته ضمن تلك الثقافة سواء من حيث نسق الخطاب نفسه أو من حيث طبيعة رصف الخطيب لعلاماته مناطقاً بفكرة معينة حالاً وسبباً وإقتراحاً.

وتاريخ ثقافة الخطاب وطبيعته أمر لا ينفصل في التأثيل عن طبيعة المجتمع المنتج فيه الخطاب وما فيه من إنتاج وعلاقات إنتاج وثقافة حكم لأمور هذا الإنتاج .


في مجتمعات الدين يحدث بتكرار طغيان الطبيعة على حياة الإنسان المهمش وبفعل تهميشه إقتصاداً أن تغدو في ذهنه أحوال وجود البشر وأفعالهم عبثاً، لا أهمية لوجودهم أو لنقاش طبيعته ومعانيه أو لمحاولة تغييره، فيكتفي الإنسان المهمش من الدنيا بإستهلاك ما تيسر له من نعم مادية وذهنية، يلهيه التكاثر، ويتبدد ذهن يومه في الإتكال على القدر وفي الحذر منه والحيلة الدنيوية أو الدينية لنجاته كفرد من مصائبه ! فتتكرس القعودية والفردية في الذهن كأساس للفاعلية في الحياة و"العالم" الذي يتحول في ذهن المهمش إلى مجرد شكل عبثي للحكمة الإلهية التي تشكل حياة الناس وتفاصيل حاجاتهم وإجتماعهم -تلبية لهذه الحاجات- بنظام مملوء بحوادث ومظالم يبتعد ذهن المؤمن الضعيف القاعد عن نقاش أسبابها الموضوعية ومئآلاتها، فيحدث بإغتراب الناس عن خيرات الدنيا إغترابهم عن جوهر الدين في نفي الطاغوت بـالمعاملة الطيبة العامرة بالكدح والقسط والعدل والإتقان والإحسان والبر الخالية من تطفيف ربا المال أو أصله ربا العمل وأخابيثهما الظلم والكذب والنفاق.

وفي هذا الإغتراب المتوالي من الدنيا والدين يضحي كل إقتراح بأسلوب جديد للمعاش أو لتنظيمه "بدعة" أو شيئاً غريباً يخالف عند كثير من الناس ما ألفو عليه أباءهم وما إعتادوه من حياة ظالمة لأنفسهم بنظم تراتبي لأسلوب سد حاجاتهم ينالون فيه بالكدح بعض خيرات من الطبيعة بينما قلة من الناس تثرى بتطفيف وتبخيس وإستغلال جهد أكثر هؤلاء الناس وحرمانهم، طاغوتاً وفتنة، وإذ يظلم الإستغلال والتهميش كثير من الناس بتصنيمه أعراف التراتب القديم وبثه طاغوت تربب بعض الناس على بعضهم، فبقيام كينونته وكينونة خطابه ونسق علاماته بظلم تفكيرهم وأنفسهم وأرحامهم بنصب إعتقاد تلوف في الأذهان المهمشة كينونته طبيعية أو قدسية الإجحاف والظلم الذي يعيشونه! بعداً في ذهن ذلك الخطاب وذهن ضحاياه عن المعنى الكريم لـ((الناس كانوا أنفسهم يظلمون)).

يأتي أسلوب التفكير الفتنة الأبتر الموقظ من القرون الأولى لعيش المجتمعات في فتن طبقية بين الكدح والتنعم، مثبتاً أوضاع الناس التاريخية وتراتبهم الظالم بموضوعات يعجب القول بها الناس في الحياة الدنيا منها مقولات وموضوعات "الرزق" و "السياسة والملك" . هذا الأسلوب الأبتر الذي يفصل النتيجة عن أسبابها والحاضر عن تاريخه والمستقبل عن الحاضر يجنح في خطابه إلى تناول أمور "الرزق" و"الملك" كطبيعة حبي بعض الناس بها دون غيرهم ! وحازتها بعض المناطق والمدن والعواصم دون غيرها! دون تقديم شرح أو إنتقاد فعال ضد هذا الوضع المظلم الظالم، ولاغرابة فقد قدم وجودها ونتائجها معزولة عن أسبابها وعن إمكانات حل أزماتها، أي بصورة لا تاريخية.

هنا يحاول التأثيل الحريةً من السياق القعود والإتكال الذي يكرسه خطاب الرأسمالية في صورته العلمانية أو في صورته الدينية حين يتناول بعض الأوضاع والأحداث السياسية في العالم بميسم الأحوال العرقية والدينية: ففي ذا يرسم التأثيل صوراً تاريخية لقومية الأحوال الثقافية المحيطة بالأحداث، و صوراً قومية لتاريخ بعض الأحداث وثقافتها، في جدل ضد، يحاول التأثيل به إيضاح الصعوبة الجمة لمحاولات تجاوز تراث التحنيط والثقافة التجميدية قفزاً بالعمود إلى نقاش تنظيمات إجتماعية حديثة مثلما تفعل الرأسماليـة والأساليب غير الثورية للإشتراكيـة في محاولاتها بلوغ أفاق جديدة في بلاد ومجتمعات متخلفة.حيث إنتهت محاولات تغيير الرؤى المُرسخة بأقانيم العرق والدين إلى الفشل خاصة وإن عمود القفز كان هو نفس النهج الأبتر في التفكير الذي كرسهما: نظم معين للنظر والتأويل والرأي يهتم بحكم الذهن للفعل من خلال الحساب الفكري للأفكار وتفضيل بلاغتها بالمرجعية والصياغة دون كثير إهتمام لعملية تكوين الفعل للذهن من خلال تأثر الذهن بالعناصر الأساسية للحياة في صيغتها غير الكلامية.



يرتبط إيضاح هذه الصعوبة بقيام التأثيل بعرض بعض تلك الأوضاع وأصولها الفكرية والأحوال الواقعية لتحققها أو لإندثارها بتبيين بعض العقد والصلات بين أحوال المجموعة العرقية أو الدينية وطبيعة معاشها وثقافتها: فبأسلوب موسوي صبور يختلف بتفاعله اللين مع الحياة عن الأسلوب الإبراهيمي في القطع مع الظروف والأفكار السائدة والهجرة منها ومن مدنها، ينبه التأثيل إلى بعض أسباب نجاحات أمكن تحقيقها في دفع بعض الأجزاء من المجتمعات التراثية للإقلاع عن نظرتها إلى الحياة ومظالمها كحالة ساكنة قارة بالطبيعة وثابتة في الحياة منبهاً إلى ان تقدم بعض أجزاء هذه المجتمعات من حالة البصر الحسير في أمور عيشها وتنظيم مواردها وحكمها إلى نظرات حيوية تفاعلية راقية موصول بتحقيق ثوري لحالة سياسية علمية لإشتراك الناس في إنتاج لوازم حياتهم ومنافعها وحكم توزيع جهود ذلك الإنتاج وخيراته بينهم وفق قدراتهم ووفق حاجاتهم وتشكيل إمكانات معرفة منظمة موضوعية تعتني بسيرورة تأثير الإنسان في الطبيعة والمجتمع وبتأثره بهما في آن واحد.

لكل ما سبق أثل الكتاب بمواضع وأساليب عدداً سبباً يمكن عده الأهم للتقدم الإجتماعي المتناسق وهو: "الثورة الشيوعية" على إجحاف وفوضى توزيع الموارد والأعباء والمنافع وإحتكار طبقة رأس المال لخيرات إنتاج المجتمعات وقيام هذه الطبقة الرأسمالية بإدامة حاجة الناس لضرورات المعاش منعشة تكالبهم على موارد العيش ووسائله ومنافعه، ضماناً لربحها منهم وإستئثارها كطبقة أقلية في المجتمعات بإمتلاك موارد ووسائل معاش الأغلبية الكادحة وإنتاجها مختصة نفسها بثمرات كدح الناس ورهق معيشتهم.

في هذا السياق إهتم هذا الكتاب بـ"نشوء وتطور عمليات الثورة الشيوعية" ضد تكوينات الإحتكار السياسية والعنصرية بدول المراكز الرأسمالية والعالم الثالث التابع لأقانيم تطور هذه المراكز وحاجات ربحها، متناولاً سيرورة تنظيم الشيوعية لأفكارها وقواها ببنى نضالية ديمقراطية التكوين مدنية ونقابية وتقدمية تكرس إشتراكية-علمية في النظر والتفكير والنشاط إرتبطت في أسسها وأهدافها بإشاعة موارد ووسائل الإنتاج وأسباب المعاش وسلطة تنظيمه وتوزيع خيراته بين الناس بصورة ربطت فيها الإشتراكية- العلمية تحقيق حرية الإنسان من الفقر والجهل والمرض بشيء كثير من تحرير ذهن الفرد من عقلية التراتب الخطي وحتى من العقل النمطي بوضع حساسيته بأشكال عيانية وخطابية كلامية ضمن الكتلة الكادحة الثائرة يغذيها بأهدافه المحبطة وأحلامه المجهضة في العيش بحرية وكرامة، ويتغذى بتنظيمها ونضالها الباعث للأمل والمحقق فعلاً للتغيير. في تأثيل أحوال الشيوعية في زمن قويت فيه سيطرة وهيمنة الإمبريالية على أوضاع أكثر دول العالم التي رادت ما يسمى "الطريق الثالث" وتفاقم الأزمة الإمبريالية في ذات الوقت بعقابيل هذه السيطرة، يقوم هذا الكتاب بربط جزء من الحال الراهن لتطور الشيوعية عالميةً بكل ما فيها من تناقضات تقبل العلاج وتولد التطور بالتمدد الحاضر لأزمات رأس المال البنيوية المدمرة لأسسه التي يفاقمها التنظيم الإمبريالي للحياة:

يتم تأثيل الشيوعية بعدة وجوه منها: طبيعة جدل عناصر نشأتها، جدل تشكلها السلمي ضد العنف الأهوج وجدل عنفها ضد الإستغلال، جدلها السياسي، جدلها العلمي في الفلسفة، جدل حركتها جماهيرية، جدلها الفلسفي في العلوم، جدلها كتلبية لحاجات عملية نظرية متبلورة في مجال المعرفة كطاقة لتقويم التفكير بالعمل والعمل بالتفكير:

فأولاً يتناول التأثيل "النشأة الأولى للشيوعية" في الصراع المثلث بين كل من:
1- الفلسفات المثالية الدينية المتوالية مع الإقطاع المنكرة حق المجتمعات في تغيير نظم معاشها وحياتها المستضغرة قدرتها على تحقيق هذا التغيير و
2- الفلسفات القانعة بإصلاح ما تيسر من مضار الرأسمالية مثل "الخيرية"Charity و"التعاونية" Co-operative و"النقابية" Unionism، و
3- "فلسفات الخيال" Utopia الجمهورية والمدينة الفاضلة التي كانت غارقة في تصور مجتمع عادل دون إلغاء التملك الإنفرادي الخاص لموارد المجتمع!

وفي جهة ثانية يهتم التأثيل ببعض الجدل بين الطبيعة المدنية السياسية للشيوعية وإتجاهات تعضيد العنف والإرهاب ضد نظم الحكم المُكرسة بالعنف والإرهاب وقت كانت الحملات الدموية هي الأساس (السياسي) للإقطاع.

وفي جهة ثالثة يتناول نشوء الشيوعية نقيضاً ثالثاً لتراكم الجدل بين جهات "السياسة التقليدية" الموغلة في لجاج الإقطاع ومداورته وجهات "السياسة الحديثة" (آنذاك) اللاجة في التعامل الحذق أو التعامل الزلق مع كلمات الإقطاع بصورة مهملة آلام الإستغلال والتهميش والإملاق والإمتهان وموت الناس البطيء في كل لحظة من لحظات حيواتهم الكالحة.

وفي جهة رابعة يتناول التأثيل جدل الشيوعية مع الإتجاهات العلموية الموغلة في وصف المواد والأحوال، والمستغرقة في الشروح التفصيلية اللاعملية. موضحاً الربط الجدلي الذي قام به رواد الشيوعية بين كل من "الفلسفة الإشتراكية" (القديمة) وطبيعة "العلم الحديث" وهيئته، بعقدهم التنظير العلمي لأحوال (الوجود) بأحوال الطبيعة البشرية والمصالح الإجتماعية، بعيداً عن سفسطة الأولين في إثبات وجود إله أو إثبات عدم وجوده !!

في جهة خامسة يتناول التأثيل مفارقة النشأة الجماهيرية والسياسية الثورية لأفكار الشيوعية الرؤى الإنعزالية النقابية الفاصلة بين قضايا العمل و السياسة.


وفي جهة سادسة يتناول التأثيل تميز نشوء الشيوعية بصورة علمية إقتصادية إجتماعية سياسية عن الكتلة القديمة لأفكار الطبيعيين وأصحاب الأفكار البيئية التي إهتمت بمعادلات سطحية لفضل الزراعة وخصوبة الأرض، وبمعادلات عميقة لفلسفة الطبيعة الخام وحيوية كائناتها الدقيقة الضرورة لحياة كائناتها العليا وبحساب حذر من تفارق نمو السكان والموارد معزول عن الفلسفة العليا للطبيعة الإجتماعية الماثلة في شكل السياسة وأمور الحكم التي تقرر مباشرة في طبيعة حياة الناس ومجتمعاتهم وزراعتها وصناعتها إمكانات صلاح البيئة أو دمارها.

وفي جهة سابعة هم التأثيل بإيضاح طبيعة نشوء الشيوعية من جدل أرقى أفكار العالم التي تبلورت مشكلة آخر مراحل إرتقاء الذهن البشري من حالة رد الفعل إلى مرحلة الفعل. فإيضاحاً لشيئ من طبيعة الجدل الفلسفي والعلمي والتاريخي حول أسس تكون الحضور الإجتماعي وتغييره، تبلورت الشيوعية من ذلك الجدل في صيغة "الإشتراكية العلمية" خلاصةً خيرة لتطور المجتمعات وأفكارها فكانت النتيجة السياسية والعلمية المتقدمة لذلك الجدل ولكنها ليست النتيجة الوحيدة منه. بكسب الشيوعية أسس معرفة طبيعة التاريخ ومراحله كحال مجتمعي، وإمازتها هذه المراحل فيه بأطوار الصراع الطبقي، وبلورتها دور الثورات في تغيير المجتمع جزئية أو جذريةً بـأسلوب التغيير الإجتماعي الشامل النافي النظرات الخيالية أو النظرات السياسية الضيقة، أو الحركات المنعزلة في صور خيرية أو نقابية أو المتطرفة العسكرية، بتجاوزها الجدلي الستدام للطبيعة الجزئية لتلك الأفكار والنظرات رافعةً لآفاق عملية ونظرية أرقى ما في تلك الجدليات الفلسفية والعلمية النظرية والعملية الجزئية النافرة من التغيير الشمولي.

إضافة إلى الجوانب السبعة التي شكلت بعض مياسم نشأة الشيوعية وتطورها يحاول هذا الكتاب "تأثيل" ربط الشيوعية الإقتصاد والإجتماع والسياسة والثقافة وتحقيقها -بهذا الربط وفلسفته وعلومه- تفوقاً موضوعياً على الفلسفات السابقة لها وفي ذا يحاول التأثيل نسب هذا التفوق إلى عنصرين متواشجين في الشيوعية هما:
1- طبيعة آلتها الحزبية الفلسفية-العلمية المادية الجدلية ذات الصيغة التاريخية،
2- سيرورة نضالاتها العملية: بتشكيلها الأفكار والنضالات الكاشفة والمواشجة لإستخراج وتركيم الطبيعة الثورية للبروليتاريا أخر طبقات النظام التاريخي لإستغلال المجتمعات وأول قوى مؤهلة لكتابة مستقبل البشرية سواء بطليعتها الصناعية أو بحكم التتال في نسق مراحل التاريخ وجدل المجتمعات.









يتجه التأثيل إلى إيضاح أن تبلور الشيوعية كتيار مائز في النضال ضد ظلمات الفكر والإجتماع إرتبط بـ"التاريخ" والطبيعة الإجتماعية لأحواله في خضم صراعات علمية وفلسفية إجتماعية وإقتصادية وسياسية الأساس، يكشف النظر الشامل إلى أحوالها عن الإمكانات والطاقة العقلية والإجتماعية الجبارة للتطور الجدلي للحياة، ومن ذا الكشف الذي تبلور في شكل معرفة جدلية لحركة التاريخ جمعت الشيوعية عناصر تاريخ المجتمعات ناقضة ومدمرة متلفات تقدمه، فغلبت بهذا الجمع والنقض والتدمير بعض الفلسفات التي لم تك تدرك أثر الحياة الإقتصادية في تطور الأوضاع والنظم الإجتماعية والسياسية في الطبيعة .

ويعرض التأثيل أثر بعض جوانب الفهم العلمي للإشتراكية في تحديد معالم موضوعية لمد النظر العلمي من حالة الإدراك الذاتي والجزئي لبعض الأوليات والعلاقات المادية أو الإجتماعية البسيطة إلى حال تحويلها بجدل التراكم والثورة إلى وعي جمعي موصول بالوجود الإجتماعي للناس وسيروراته ككتلة حركية راقية ومتقدمة بتدافع الحاجات والمشبعات في النظام الوئيد لتطور الطبيعة الإجتماعية.

وفي تأثيل أحوال المجتمعات وتاريخية تكون سياساتها وتنظيراتها وحركات قواها ودفع بعضها بعضاً، يهتم التأثيل أيضاً ببعض أدوار أفراد كانوا رواد فلسفة و سياسة موضحاً أهمية كل منهم في المجال الذى إعتنى به التأثيل، ولكن وإن كان مألوفاً تناول دور العمل والمعاش والإعمار في حياة الناس، ودور جماهير العمل في التاريخ، وكذلك دور بعض الأفراد في التاريخ، فإن التأثيل يتناول الظروف الإجتماعية الثقافية لما سبق، مثلما يهتم بظروف ثقافة الفرد، وبأثرها في أسلوب سياسته، وبتأثر تلك الثقافة وهذه السياسة بالأحوال الثقافية لطبقات المجتمع ككل، ولكل طبقة على حدة، وفي كل، كما يتناول طبيعة التفاعل بين هذه المكونات الثقافية في كينوناتها المتنوعة في الطبقة والحُكم وفي الأفراد الرواد المواشجين لهذه أو تلك.

وفي علاقات الثقافة والسياسة يتناول التأثيل بعض ما يتعلق بطبيعة الحياة اليومية للعملية السياسية من حس بشري وتشاكل هذه الطبيعة اليومية مع قصور الأفراد وأخطاءهم، ومع تباين تقديراتهم، ومع تنوع محركات قراراتهم، ومع تنوع وحتى تضارب بعض مصالحهم وأهدافهم وإختلاف تكوينات الذاكرة البشرية للأفراد والنشاطات النفسية-الإجتماعية التي -لأسباب متنوعة- يحدث أن تشكل بعض مفردات وجودها أو تقاطعاتها وتراكماتها تيارات وأوضاع محلية ودولية كاملة، بسلطاتها وشعوبها وأقاليمها وتحالفاتها وحروبها.

كذلك في بعض عناصر وعلاقات الثقافة والسياسة والمعاش يتناول التأثيل تأثرها ببعض الأحوال النفسية-الإجتماعية للتشكيل الأولي للنشء برواية أحداث قصص تاريخية أو قصص دينية شملت بعض المشارق والمغارب في الأزمان القديمة وما يرتبط بتشكيل هذا التراث الذهني وعقلياته من أوضاع المجتمعات التي قامت فيها هذه العلاقات وإحداثياتها وأحداثها.


في هذا الشأن من بعض عناصر وعلاقات الثقافة والسياسة والمعاش وطبيعة قرارهم في النفوس أو كفرها بهم، فإن علاقات الأوضاع الدينية وتفاسيرها والأوضاع الإقتصادية السياسية تبدو مجالاً رحباً لجهود وإجتهادات شتى في التأثيل : بعضها يرسِخ في العلم شيء مما بين الفطرة والبداوة والزهد والأخلاق الحميدة والبر والفوز العظيم من علاقات، وبعضها الأخر في بحثه عن العدل الإجتماعي وطبيعته يأول الطغو والطاغوت بدخول الملوك حياة القرى وإفسادهم الحياة بتملكهم وسائل معاش الناس وقبضهم إياهان وبجبوهم -فوق ذلك القبض- الضرائب باهظة من المستضعفين الذين لا حول لهم ولا قوة.

وضمن هذا التأثيل يتناول الكتاب بعض أثورات قصص الإنبياء والرسل، وشيء من الأوضاع والثورات الذهنية والإجتماعية التي واكبت تاريخ تكون الأديان ودولها وأحداثها ثم إنحصارها الحديث في شكل دول وفرق وجماعات تعتقد بشكل شبه ديني في أزلية وأبدية النقود وفي التبادل السلعي–النقودي أنه النافع والضار، وتؤمن بـ(طبيعية) الطاغوت ضمن إيمانها بالتراتب الطبقي كأصل في الحياة وربوه بحرية التملك والتجارة، أو العكس تؤمن بطاغوت التملك والتجارة وربوه طبقات مترابية .

وإذ يتناول التأثيل الأحداث التاريخية والأحوال والظروف التي أدت إليها فإنه يخرج عن التعيين المعتاد بحدث كذا سنة كذا، أو قال فلان كذا... إلى شكل أشمل يتضمن تناول الظروف القومية والثقافية وحتى الدينية في المسألة الطبقية، وإذ يتناول التأثيل الظروف الطبقية وأبعادها في المسألة القومية والعكس فأيضاً كذلك في "المسألة الدينية" يتناول التأثيل شيء من صليبها في المسألتين الطبقية والقومية.

كذلك الأمر في بقية المسآئل التي يتناول التأثيل بعضها مشتغلاً في فحص وتقويم الظروف التي واشجت حدوثها وأدت إليها: فمحاولة لتأثيل وثقافة بعض المسآئل الطبقية القومية يتجه الكتاب إلى تبيين بعض الأبعاد الدقيقة لتشاكل بعض الأعراق والطبقات والأديان والدول والثقافات وفي ذا يميز التأثيل بعض تاريخ تفهم بعض الناس لطبيعة وجودهم القومي ومستقبلهم وذلك بتناوله في بعض "التاريخ العربي الإسلامي" تشكل تحالف وثورة الزراع الزنج والصيادين والرعاة العرب مع نشاط الكادحين في المدن عرباً وفرساً وخراسانيين وخرزاً بفعل:

1- نشاط طوائف (= نقابات) البنائين والحدادين والبزازين والسقاة..إلخ في المدن.

2- نشاط المصالح الحياتية للمهمشين والمفتوحة بلادهم، وإتقادها فلسفة ضد نزعة الإتكالية القدرية ومن ثم تنوع إسهامات التفكر في الأحوال العامة في كشف بعض الأبعاد الطبقية والعنصرية في الحكم العربي الإسلامي.

يعي تأثيل الجدل والتوافق بين مصالح نقابيي وقوميي الزمن القديم أن تكون الفلسفة في عهدهم بدأ قديماً من تدافع وتلاقح الأفكار القديمة في حركة الفلسفة في فارس وهي هامش فلسفات الهند والصين، وفي حركة فلسفة اليونان وهي نتيجة من فلسفات السودان القديم في أشكالها النوبية والحميرية والمصرية والسومرية والفينيقية ثم تواشج كل هذا بشذرات اليمن والعرب في العرفان والحكمة المجلى بعضها في "عكاظ" مع مقولات جماعات الأحناف واليهود والنصارى وبعض المعلقات في الكعبة، وما تلخص من ذلك الجدل كشكل يراعي سؤدد الجماعة ومصالح الطبقة المُلخِصة في إحكامها "إيلاف قريش" خلاصة نظرية-عملية لحِكم العرب (فلسفة) هامشاً ووسطا مستنيراً بكل فلسفات القوى المسيطرة في الدول الحضارات السابق سردها.

وفي تواشج العلاقات القومية والطبقية بعناصر ثقافية وسياسية شتى يهتم التأثيل بترابط بعض الأحوال النظرية للبشر بظروفهم المادية والإجتماعية: فيواشج التأثيل وسع الذهن لتاريخ نظم الناس إنتاج حاجاتهم وإحسانهم النفع بخيرات الطبيعة في نظمهم إعادة إنتاج نوعهم البشري وذريته وتعهده بالغذاء والبناء إعماراً لمعاشهم وإحسان ذا الإعمار بالأدوات المفيدة لهم وبنظم وممارسات أكثر أمناً لحياتهم مما ضمن لمجتمعات البشر البقاء في غابات الطبيعة وصحاريها وفي الجفاف والفيض، وأتاح لهم حريات من أغلال الحاجة إلى موارد العيش، وقلل تكالبهم على ما يسدها. فإذ أسست البشرية القيم الضابطة لحياتها والعمل لإعمارها بهذي الأدوات والنظم الأمثل -حينها- لتوزع الناس موارد وأعباء إستعمال هذه الأدوات والخيرات المنتجة بها، فقد بلورت أسست أيضاً سيرورة تكوين الذهن ومعارفه عبر التاريخ بالتفكير في الأمور بشكل ثلاثي النقاط خيالاً وتحقيقياً وتقويماً أو مفردات وكليات وعلاقات، أو سبباً وعملاً ونتيجة، وإعمار الذهن ذاته بإشتغاله بهذا النمط الثلاثي النقاط في كافة المسائل التي يقابلها مادةً ونظراً.

وفي زمان كانت فيه المعرفة المنظمة قليلة جداً كان تفسير الظواهر الطبيعية والإجتماعية مرتبطاً بتاريخ كل مجموعة بشرية وبتاريخ الثقافة التي كونتها بحياتها مما إتصل بخبرات ومعارف (مادية) عن موارد العيش حولها وبإعتقادات متنوعة عن العلاقات بين هذه العناصر المادية. وقد تبلور تدافع الجماعات|الثقافات مع بعضها ووضعها في التاريخ، في صراع قائم بتباين الطبقات وتباين النظرات بين فلسفة التفكير ذا الصيغ المادية لعناصر الطبيعية وتأثيراتهاMaterialism في جهة ، وعلم الظاهرات الفكريةPhenomenology وفلسفته الأسميةFormalism في جهة متعلقة بالأشكال والصور والمسميات التي يضعها الفكر البشري لما يعينه يقونم بها أحواله وأحوالها. فلسفةً يكون العقل الفعال هو ذلك الذي يعلم طبيعة التسميات والمعاني، ويكون الألباب هم من يعرفون بغير أسماء كنه التسميات ولب مدلولاتها!.



في هذا الصدد يجتهد التأثيل لتحرير الأقانيم المقدسة في الثقافة السائدة من الفهم الشكلي الظواهري المغل لدفعها وكدحها، رامياً إلى عتقها من ذاك الفهم بتفكير من لدنها عدو للطاغوت [=طغيان] الذي طلعت ضده تلك الأقانيم أول أمرها، تفكيراً مواشجاً في إطار الرمز الديني لسياق الحرية: فمن تقديس القلم وما يسطرون به وقرءآن الفجر وتناول التقديس ظواهر أخرى، ينتبه التأثيل بالقرآءن إلى طبيعة جدل التفكير بين الأوليات المادية والنهج الإسمي أو النطقي للمقروءآت، وان السطر المقدس لأقانيم وأطوار الطبيعة المادية في القرءآن يحدد أدواتاً مادية تاريخية للمعرفة و التأويل وتصافهما فلسفة. فبإعتبار موضوعي لقصص الأرض وإرساء الجبال فيها والنظر العقلي إلى الشمس والقمر والنجوم ومر السحاب ونشأة الماء والأحياء النبات والحيوان والإنسان وكيفية خلقها أطواراً يمكن قرآءة سطر تاريخي رئيس في المعرفة الدينية وعقلها سطر يبيح ويتيح للإنسان معرفة بالأجرام المادية ونظام حركتها منذوقت كانت فيه العرب تظنها بنات الرب! كذلك النظر إلى وضع [كوكب] الأرض وكل ما فيه ضمن هذا النظام الفلكي وإدراك الطبيعة الظاهرية لجريان الشمس والقمر كلها تفتح المجال لمعرفة بعض سنن هذا الكون ظاهراً كتعين عناصره وتغيرها ومن ثم الإتجاه مع السهم القُرءآني إلى معرفة طبيعة وكينونة هذه السنن في جدل تؤام وتناقض تكوين موارد حياة البشر وموازين عيشهم.

المنطق المادي التاريخي للمعرفة الوارد في ظاهر القرءآن، وحتى في ما قد يعلم من بواطنه، يفتح في الثقافة السائدة بميسمها الديني أبواباً جديدة للعلم والحكمة يعرج عيرها الذهن منطلقاً من حالة التفكير في الظواهر الطبيعية الأولى مثل: كيفية وضع الجبال؟ وكيفية رفع السماء؟ وغيرها من المسائل الفذة التي تحتاج معرفتها إلى دراسة مادة الجبال ومادة السماء إلى حال ينفذ فيه الإنسان بعقله تنوع الآيات الظاهرة في الكتاب والآيات الظاهرة في الطبيعة والطبيعة الإجتماعية إلى معرفة أطوار الأشياء وجدلها. وأطوار أفكار الناس عن وجودها وجدلها.


بمعرفته قدس هذا الجدل، ينفذ الإنسان إلى أقطار السماوات والأرض كدحاً نظراً و رنواً و سبراً، ومنها أي من معرفة "الجدل" سنة لحركة عناصر الكون ينفذ الناس من المتعين الظاهر إلى ماهو دقيق لطيف في عناصر الأشياء وعلاقاتها. إسراء وإرتقاء من الفهم الشكلي القديم لآيات الكون بدراسة موضوعية متقدمة بين القرءآن بشكل موضوعي وسط أساطير العرب والعجم بعض بدايتها كدراسة عناصر (الكون) وعناصر الفكر وعناصر الكتاب وعلاقاتها وتحديد معالمها وصولاً إلى النفع بها في إعمار الأرض بمادتها وإعمار العقول والنفوس والتعاملات بحقائق الطبيعة المعينة وما بعدها.



في العهد الأول لإنتقال الإنسان من الديانات الطبيعية إلى ديانات الإستعباد والفرعنة والتحكم في البلاد الحاضرة الخصبة كانت العقائد الأقدم المتشكلة في هوامش الحضارات الإستعبادية مشوبة بقيم الحياة الحرة في البادية والمعاش والعمل الجمعي والتعاضد خالية من قيم إمتلاك الفرد موارد حياة الناس، بعيدة عن التبخيس والتطفيف، تمجد البذل والكرم وقنوع الإنسان إلا ما سعى، ثم تغير حال هذه العقائد التي عززت التحرر الإجتماعي لمهمشي الممالك القديمة، مع تولي بعضهم حكم تلك المجتمعات الإستعبادية وتغير الظروف المناخية المعاشية في قلب العالم القديم من الرغد إلى الجفاف فأخذ التبدل الشكل العقيدي دون البناء الطبقي الترابي الذي بقى بل وتجدد مضمونه إستعلاءاً، إصطفاءاً، وإقصاءاً.

من إستواء جدل الأفكار والكتب الدينية حول ضرورة الإيمان من خلال أمرين: 1- السمع لمنطق الكتاب أن دعوته الصلاح وأن منطق الناس مختلف وفاسد بعضه ضد بعض 2- النظر إلى تنوع جسوم الطبيعة وتوافقها حركة، وإتساقه مع نسق أساليب الكتاب دليل على صحته وخالقهما، تأتي ضرورة عقاية لتأثيل جدلين في بنية التفكير جدل المنطق الديني لأفكار الوجود وتمظهره ديناً فدين، وجدل التاريخ الطبيعي والبشري وتمظهر منطقه العلمي في الأذهان البشرية.

فبتقلب الطبيعة وزيادة تنظيم الإنتاج وتضخم الجيوش وتوسع سيطرة الدولة وتنظيمها، نشأت حالة سياسية – ثقافية أضحت الدولة فيها محوراً للتدين وعجلاً ذهبياً يعتقد الناس على مختلف أديانهم في صلاحه وفي ضره. بينما أصل الدولة أنها جهاز مجتمع وحالته الأعلى يوافق المعاملات الإجتماعية الدنيا المؤسسة له في قاعدة الإنتاج وكيفية توزع الناس موارد عيشهم ووسائله وجهوده وثمراته.

وفي القديم واشج لجدل الأقوام البدائية مع الطبيعة تحقيق معاشهم، و مع إتصال التفكير في أعراض الطبيعة وأحداثها الأرضية والسماوية الظاهرة إتجه قسم من التفكير في الطبيعة إلى التفكير في طبيعة السماء وحكمتها التي تتجلي في توافق نجوم معينة مع أحداث أرضية معينة مما دخل بأثره في جدل الدولة والمجتمع ماثلاً في تبلورات وتشكلات الممالك والتهميشات الأولى والعقائد الثنوية ثم العقائد التوحيدية فالديانات اليهودية والمسيحية ومن جدلهما وجدل القوى الإجتماعية والدول المتولية أمورهم وجدل الإنسان والطبيعة المحيطة به تبلورت القمة المنطقية للتحولات الدينية الإجتماعية في العهد القديم بداية بطلوع "الإسـلام" الذي سجل إنتصاراً للمستضعفين في الجزيرة العربية آنذاك برسالة التوحيد "البرآءة من الطاغوت"، وإنتصاراً لجملة العرب الذين كانوا هامشاً للممالك المحيطة بهم الفرس في الجنوب اليمن والشمال العراقي، والروم في الشام ومصر، والنوبة في السودان، قبل أن يحرف أساطين العرب من الأمويين والعباسيين إلخ رسالة الإسلام إلى ملك عضوض للقرى والقصور والجواري، إمبراطورية من حدود الصين إلى فرنسا.

يتناول التأثيل ذا الحرف الأموي والعباسي وجذوره كحرف لدائرة الحق في المجتمع الجماعة حرفاً نبت بدفوع وتطورات الصراع الطبقي القديم داخل قريش وإنتقاله بسعي الناس من العمل لله إلى مركزة التجارة وقوة الجيوش في ملك عضوض للدنيا وما إلباسه بقيم الدفاع عن النفس والعقيدة إلا زيادة لخرق مبادئي الدين النابذة الطغيان على أرزاق الناس والأمم بدلاً عن تحريرها.

نتيجة لذلك يحاول هذا الكتاب تأثيل نشوء وترعرع قسم ثوري من التشخص الإسلامي للحكم، ومن التوجهات الفلسفية لسواد العرب والشعوب المهمشة في البلاد المفتوحة الذين أستلب الحكم القريشي منهم حقوق السواء والمشاركة السياسية، مما ماز في تاريخ الإسلام في نضال الثوار من آل البيت (ع) ووطنيي البلاد المفتوحة الذين جعلوا أذلة في أوطانهم ووصمتهم ثقافة الفاتحين بـ"الشعوبية"، وتواشج نضالات المجموعات المهمشة الطبقية والقومية والدينية مما تجلى في التاريخ الإجتماعي الحديث ببعض أفكار ونشاطات الحركتين الإسماعيليتين: "القرمطيــة" بقيادة ميمون الأسود القداح و"الفدائيـة" التي قادها الحسن الصباح. وقد شمل ذاك التطور السياسي للفلسفة بعض بلاد العرب وبلاد العراق وإيران وسوريا وأطراف من اليمن والمغرب وألوية خفاقة في غرب أفريقيا وشرقها، وكذلك في الهند وتخوم الصين، قبل أن تدلهم على هذه المناطق جيوش السلاجقة والتتر ثم جيوش الإقطاع العثماني ثم الفرنجي فجيوش الرأسمالية الأوربية الحديثة. وهي جيوش ونظم يتناول التأثيل أن ضربها ما سمى بالدولة الإسلامية وفلسفاتها الموافقة والمعارضة أسس صدمة في التفكير العام زمانذاك بإحباط "الإستعمار" فكرة "الأمة المختارة" وقتله فكرة تحقق النصر والعدل بإنعقاد الدولة ورفعتها بمبادئي الدين. إذ ظهر للكافة وجود دول لادينية منتصرة، ووجود دول دينية ظالمة، بل وإنتصار الدول الظالمة على الدول المؤمنة، ووضح للبعض أن مبادئي الدين تواشج العلم والحكمة والجهاد لنفي دولة الطغيان والجبروت لا تأسيسها والدفاع عنها وعنهم.

في هذا السياق يمكن فهم ظاهرة العقم الفلسفي للعرب والمسلمين لأكثر من ألف عام منذ كتب الغزالي ضد المنطق والفلسفة كتابه الظلام "تهافت الفلاسفة"، وبلورة الإسماعيلية وإخوان الصفا العقل والفلسفة مدخلاً للإسلام وجوهرة له بدولة بدء-شيوعية، مما تبلور بكتاب "فصل المقال في مابين الشريعة والحكمة من إتصال" لإبن رشد، وكتاب "المقدمة" لعبدالرحمن بن خلدون.

عقم العرب والمسلمين "الفلسفة" في شكلها الظاهري كبيان خطي لنظميات تفكير في التفكير، لم يك يعني فقد عناصرها داخل أذهانهم، ولم يكن ذلك العقم لحجر الأراء والعسف بأصحاب الأراء الخطيرة على المذهب الديني السائد، فكل فلسفة كبرى وجدت كضد للثقافات السائدة، لكن العرب عقموا الفلسفة المصورة لنول الذهن خيطاً في موضوع معين من الألف إلى الياء، لأن العقل العربي الذي تبلور بالإسلام بعدما كان ذهناً بدوياً إنضرب بعد تحريره من الأصنام بفهم قريش القبائلي للإسلام وتقييدها الحرية فيه حكماً ومناصباً ومالاً ووضعها إياه بشكل دولة إقطاع قريشية تسودها الريوع والبيوع وآليات التجارة والإنتظامية العسكرية ذات الطابع القسري الكاسر لحرية الإرادة والتفكير!!

في التأثيل أن إصابة القريشية النظر والعقل عند العرب بالعقم الفلسفي قد تواشج أثراً سالباً من "إجتماع السقيفة" وماتلاه من أخذ صريح للإسلام المتصل بالحرية من الطغيان وأمور المال، وعقده بأحوال وأمور العصبية والدولة والمال والجيوش والتجارة! فكان ذلك العقد في عقل العرب واللمسلمين ضد للجوهر الحري للدين وتبلوره قرءاناً لعناصر ومناطق تحرر الذهن والإجتماع من حالة تراتب الأصنام والطغيان. وقائع تأسيس الدولة بحروب الزكاة بدلاً من التي هي أحسن ثم حركة الدولة وتمولها وفتوح جيوشها للبلدان مغانماً وفيئاً وسعت للعرب ميادين التجارة والسيطرة تراكمت وشكلت فلسفات عدوة بمضمونها لأسس التوحيد وإسلام النفوس من أنانية التكاثر في الأموال ومن الطغيان، وبالتدريج أضحت الدولة وفتوحات جندها قائمة فعلاً عبر آلية: "حقوق الفتح" على تنظيم المطامع والإستلاب والطغيان لا على كسر التعاملات الظالمة القائمة على دفع القليل وأخذ الكثير بموازين تطفف قيم الأعمال والجهود المبذولة فيها، وبذا صارت الدولة المسماة "الخلافة" وهي ملك عضوض عدوة لإسلام الناس وإيمانهم من الجوع ومن الخوف.

في تجاوزه عقم الفلسفة في ذاتها وعند العرب، يتناول التأثيل الأوضاع المحلية والدولية لجدل المجتمعات والثقافات ونمائها ومؤسساتها وأليآتها الفكرية وبعض نتائجها في الزمن الحاضر، وفي ذا إهتم التأثيل بإعادة قراءة بعض الصور المنمطة للتفكير والواقع السياسي وعلاقاتها بالتقاطعات المحلية والدولية وإسهامها في تشكيل المجاري الثقافية لعـلاقات عدد من المجتمعات والحـركات الطبقيـة فيها.

في هذا الصدد القديم الجديد إهتم التأثيل بسكوت حلف الإقطاع والبرجوازية المحلية والإمبريالية عن مصادرة أمريكا وبريطانيا حقوق الأفغان والعراقيين بمنطق ديني رغم علمانية القانون الدولي، في زمن كثر فيه حديث الدولتين الليبراليتين عن تعايش الإختلافات وقبولها والتجاوز عن سيئاتها إنصرافاً عما هو أسوأ، صاخبين بالحريات السياسية والحريات الثقافية وإحترام الخيارات الذاتية للمجتمعات وطاعة القانون الدولي وإحترام حقوق الإنسان.

في هذا الجانب يتناول التأثيل طبيعة الطاغوت الإمبريالي الحاكم لقرى العالم في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية وحتى الأقاليم المهمشة في دول المراكز الإمبريالية وتعاقد الإمبريالية مع القوى الحاكمة مصادر الطاقة والثروة والقوة والجبروت في العالم الثالث.

كذلك يتناول التأثيل العلاقة بين طغيان الحكام العرب والمسلمين وسيطرتهم المطلقة وتحكم الإمبريالية بسياستهم وإقتصادهم ونمط عيشهم بشكيلها ثقافة مجتمعاتهم وهي حالة رسمها الروائي الإشتراكي جورج أوريل في روايته: "1984"، التي كشف فيها في محاورة الطاغية والإنسان إرتباط تولد الطاغوت وتجبره بحالة تحكم الجبروت بما يدخل إلى عقول الناس، تجنباً لمقاومتهم، ليضمن الطغيان حياته.

كذلك بتواشج التفكير والحضور الإقتصادي الإجتماعي-الثقافي-السياسي يؤثل الكتاب الصعود الثوري للإشتراكية العلمية ضداً لحالة الطبيعة القومية الضيقة لـ"إتحاد العمال اليهود في أوربا" Bond وضداً للعلموية والأممية المفرطة لـ"جماعات الإشـراق"Illuminate ، كذلك إحتشاد الأعمال الشيوعية للفلسفة والعلم والوعي التي قادها إنجلز وماركس في حرب ضارية ضد النقاط والبنى والعلاقات والمؤسسات والأليات المرتبطة بفلسفات الأسماء والصور الذهنية وتصورها تغيير الحياة الإجتماعية بتغيير فهم الناس لها! لا بتغيير طبيعتها، وبإيقاف السلطة السياسية للمجتمع بعض المظالم الطبقية فيه حسنات وأعمال خيرية لا بتوليه هدم نظام الطبقات والدولة الطبقية من أساسه.

حيث جاوزت "الإشتراكية العلمية" بإدامة نظرية ونضالية للثورة الإجتماعية البنية: حالة التوافق القومي مع الرأسمالية في أعمال جماعات الإصلاح ذات الجذور الصوفية "الإشراق"، و"الماسونية"، و"البوند" وهي الجماعات التي سبقت تبلور الإشتراكية العلمية في مناكفة بعض وجوه الإقطاع والتأسيس الوحشي للرأسمالية.

تأثيل الكتاب من ذلك لصعود الشيوعية كضد للطبيعة الرأسمالية للطرح المتناقض الإشتراكي-الديمقراطي (الديمقراطي هنا بمعنى الليبرالي) لقوى "البـوند" وبدائيات الحركة التقدمية، يجرى على إعتبار أن إعتدال الرأسمالية الذي ترومه هذه القوى إن تم في حين معين، فكحال إستثناء ضد طبيعة كنزها النهم للأرباح وإعتدالها جهة مجموعات قليلة من العمال والكادحين بممارسة وحشية ضارية ضد مجموعات أخرى منهم، أكثر عدداً، في مناطق أو في أزمان أخرى. وفي هذا الصدد يرى التأثيل حل كافة مظالم العمال والشعوب المضطهدة بتدمير وإزالة التنظيم الرأسمالي لموارد حياة الناس الذي يجعل بعض الناس أرباباً على البعض الأخر.

كذلك يهتم التأثيل بالظروف التي رافقت طرح "البرنامج الإشتراكي الديمقراطي" Socialist-Democratic Program مثل صعود الرأسمالية اليهودية، وتدهور أوضاع العمال اليهود، وتأجج نزعات القومية والعداء ضد السامية مع إتهام الحكام الإقطاعيين للرأسماليين والعمال اليهود بإنعدام الولاء الوطني، وزيادة هجمات الإقطاع الدموية على قرى اليهود وتذبذب حقوق وإنضباط العمالة اليهودية بزيادة التوترات القومية وهجرات اليهود من مناطق السلاف الزراعية إلى وسط أوربا ومن وسط أوربا إلى غربها إلى بريطانيا والولايات المتحدة ثم إنهيار طروح الإشتراكية الديمقراطية بإتساع أعداد ومطالب المرتبطين بالحركة التقدمية في أوربا، ثم إرتفاع شأو النضال العمالي الوطني والتحرر الثوري بقواعد شعبية-وطنية ذات نزعة اممية مما ظهر ببناء إتحاد السوفييت زمن ستالين.

يوضح التأثيل ان صعود "الشيـوعيـة" في تاريخ الأفكار تم بضعضعتها النمط الأوربي من أفكار "اليهودية السياسية" (بداية) من نقض كارل ماركس لكتاب "المسألة اليهودية" حسبما طرحها فيه بورنو، وكذلك كشف ماركس -بنقضه الإقتصاد السياسي- زيف التحديد الشكلي النقودي لـلمنفعة في طرح آدم سميث، وزيف الشكل النقودي لـ"القيمة" (= قيمة العمل) في طرح ديفيد ريكاردو إضافة لقيام ماركس وإنجلز التقدمي والثوري بنقض برنامج "الإشتراكية الديمقراطية" ودور إتحاد العمال اليهود في أوربا (البوند) في طرحه.

وإضافة إلى قيام ماركس وإنجلز ثم لينيـن بنقض مشروعات "البوند" الإنعزالية القومية والنقابية والليبرالية الماثلة في برنامج "الإشتراكية الديمقراطية" ومشروع دولة طورها الإصلاحي المأزوم، تأججت الأفكار والنضالات الشيوعية أيضاً من جدلها مع الأفكار (العابرة للقومية) السابق سردها بطرح علمي لـ "المسألة الأممية" جاعلة طبيعتها الأساسموضوعية هي التحرر الوطني في كل بلد، مما تجلى بالإشتراك العظيم لـ"شعوب الشرق" في إنتصار الثورة الإشتراكية الأولى في التاريخ والعالم، بعد نقض إستالين الصارم في بناء الشيوعية في مناطق المسلمين ظواهر التعصب القومي وكشفه الطبيعتان المتجادلتان في النمط القومي من التفكير: "الطبيعة الثورية"، و"الطبيعة البرجوازية"، وإتسام الأخيرة بطبيعة نظر إلى الحياة والمجتمع بداية من حالة الجماعة المستضعفة إلى جهة الجماعة القائم منها هذا الميز أو ذاك بشكل لا يتناول النظام الذي يفاوت الجماعات طبقات ويحول دون تعارفها وتواشجها. كذلك في ما ظهر في بعض موضوعات الجدل الطبقي والقومي لإرتقاء الماركسية-اللينينية يتناول التأثيل إعزاز إستالين الفهم القومي الثوري في التحليلات الطبقية للمسألة الوطنية سواء في سياساتها أو في إقتصاداتها أو في التركيبة الثقافية الطبقية لمسالة اللغة كبنية سياسية أيما كانت حروفها وأصواتها.



كذلك يؤثل الكتاب إسهام طلوع الشيوعية وتدهور البرجوازية السياسية بهذا الطلوع وتأثيره في: تضافر مفاهيم وحركات نقد الماركسية مثل:
 النقد الألماني المثالي القائم على منطق الصور الفكرية لهيجل وفيورباخ ،
 النقد الإشتراكي الديمقراطي الألماني البرجوازي للإشتراكية العملية ،
 النقد الإشتراكي الشعبي الروسي لـ(ماركسية( المناشفة الليبرالية ،
 النقد المادي المغال والمبتذل الفرنسي والألماني للكينونة الثقافية الإجتماعية
للماركسية وتباين سيولتها النظرية عن صلابة بنيات العلوم المادية، وتواشج بعض رؤاها الفوقية مع رؤى الأعمال الخيرية. ومن رواده: ماخ، وكاوتسكي و بوخارين.
 نقد أهل النضال الشعبي المسلح في فرنسا وروسيا لنزعة السلم والسياسة في الماركسية مع عنف الدولة ونبذ ماركس العنف [الأهوج] وإفراطه في السياسة.
 النقد الإجتماعوي للماركسية اللينينية المعتبر إياها مجرد سياسة فوقية محضة.

وحديثاً توالي أعمال نقاد الماركسية، ونقاد الماركسية-اللينينية، ونقاد الإستالينية، بإنتظامات متنوعة شتى منها: فهوم وأعمال: "حلقة فيينا" Vienna Curricle و "مدرسة وارسو للمنطق" Warsaw School of Logic و"مدرسة فرانكفورت "Frankfurt School للإنتقاد الإجتماعي، كذلك تحول الإتجاه الرئيس للحركة النقابية في الولايات المتحدة من الثورة إلى الإصلاح والتوائم مع سيطرة البنوك على الصناعة، مما واشج في العالم والولايات المتحدة تجدد الخلاف المنشفي التروتسكي ضد الإتجاه البلشفي اللينيني الإستاليني.

في سعيه إلى تأثيل هذه الإنتقادات يتجه هذا الكتاب لإستيعابها بصورة إنتقادية أيضاً ضمن عملية التشكيل المتصل في حركة التفكير الماركسي-اللينيني وتجاوزه الشمولي الثوري المستدام حدود النظرات والعلوم والفلسفات الإنحصارية.

ولكن لا يغيب عن تأثيل إنتقادات الماركسية اللينينية حركات "الوعي الجديد" بأشكالها الثلاثة:
1- الشكل الأفريقي الذي قاوم الإستعمار بالتحرر الوطني السياسي،
2- الشكل الصيني الذي دغم النضال للتحرر الوطني ضد الإقطاع والإمبريالية بالثـورة الثقافيـة التي إختصرت بقوة الشباب والطلاب والجنود العدد الكثير لحروف اللغة الصينية وألغت في الأذهان التقسيمات الإقطاعية لمجتمع الصين بأراضيه وأهله وأرائه والتقسيمات البيروقراطية المقاربة لها في المضمون.
3- الشكل الأوربي الذي واشج أحوالاً أكاديمية وإجتماعية معينة طلابية وجنسية تمددت بعض أحوالها في الولايات المتحدة الأمريكية بتوالي أشرعة "الحركة التقدمية" ثم حركة "الحقوق المدنية" وحركة "السلام" مما إستمر تقدمه رغم إنقلاب سنة 1938 العسكري حتى حلت في سنوات الخمسينيات الحركة الرجعية العاصفة "المكارثية"McCarthyism وبناتها الثلاثة المتوحشات:
"الحرية الثقافية" و"الليبرالية الجديدة" و"الحفاظية الجديدة" مما إرتبط فيما بعد بعواصف صحراء: "نهاية التاريـخ" و"صراع الحضارات" و"نظام الفوضى" وبها جميعاً إنعطبت المراكز الإمبريالية بالإرهاب والحرب وبالإفلاس .

وإضافة إلى ما سبق فإن هذا الكتاب يؤثل أيضاً طبيعة ولادة تنظيرات وقوى متنوعة بفعل التناقض والجدل بين إثنين: 1- الشكل الفكري للحركة الشيوعية المسمى: "الماركسية-اللينينية" Marxism-Leninism وربطه التغيير بممارسة سياسة ثورية مباشرة و2- نظرات وتأملات فلاسفة أوربا الغربية وإمتداداتها في ما كتبه ماركس (وحده!) وهي في تقدير الماركسيين اللينينيين السوفييت والصينيين إلخ مجرد تأملات وإنتقاصات وتغبيشات يهودية-سياسية فحتى إن عُرفت بـإسم "الماركسية" Marxism فكإصطلاح ضد الشيوعية يؤشر إلى قيمة الشيوعية كلها وقيمة ماركس فيها كمجرد مجال لجدل فلسفي-أكاديمي وكينونة تنظير وتجريب فكري فردي معزول عن اللينينية وحزبها الثوري ودولته الديمقراطية الشعبية!

في صدد ما سبق يحاول التأثيل مقاربة تواشج ولادة بعض التنظيرات التي تروج إعلاماً كمنقذ عالمي، في صيغ حديثة ذات شكل علمي لأفكار فلسفة دينية الطبيعة، تكلم عنها هيبرماس بقدر، إذ يخدم بعضها رأسمالاً بتنظير يبخس قدرة الإنسان على تخديم الطبيعة مما يستشف في بعض أعمال: بيلخانوف، وماخ، وبوخارين، ، ودي سوسر، ولوكاتش، وجرامشي، وسارتر، وماركيوز، وألتوسير المرتبطة بفكرة "إشـراق الوعي" وطلوعه كجهاز مفاهيم (من خلف) جبال الإعتقادات الخاطئة!

في صدد بعض أقانيم فكرة "إشـراق الوعي" هذه: يؤثل الكتاب بعض تنظيرات واعمال "الماركسية الجديدة" كمجموعة ماركسيات "تحليلية" تبحث عن التناقض المنطقي أكثر من ميلها إلى طبه لمصلحة البروليتاريا، نافرة بأكاديميتها عن الطابع الحزبي-البروليتاري-الثوري-العسكري العنيف لإزالة الناس السلطات القاهرة لهم، نابذة بـ"العلم" قيام القلة المتملكة موارد إنتاج المجتمع ووسائل عيشه، بإحتكار السلطة السلاح والثروة، إحتكاراً يحرم الناس أسباب العيش الحر الكريم. إذ تعوض "الماركسية الجديدة" النضال السياسي بزيادة في التعلم والتغييرات الجزئية. كما يجتهد بعضها في عملية خطابأكاديمية لتحرير النفوس والعقليات بتفكيك وتحوير الأقانيم النفسية-المعرفية والإدارية السلطوية لمجتمعات الإستغلال، وكشف بعض الحجب المغيمة رؤية الواقع والمقيدة (تفتح) الوعي. ذاك الذي تعتقد إنه مجرد ميزان أخلاقي كامن في طبيعة الإنسان ويظهر مستقبلاً عند إمكان الإقتناع به!

وقد كان نشاط "الماركسية اللينينية" وتنظيرها القديم لـ"الديمقراطية الجديدة" قد تبلور في بعض أفكار ماو في الصين، وزوتشة في كوريا الديمقراطية الشعبية، بـصيغة "إشراق الشعب"، صيغة لغوية من فلسفة بلادهم مكنت سكانها من مناهضة حلف الإقطاع والإمبريالية بقوة وإلحاق الهزيمة به والإنتصار عليه وتجاوز حالة الإستئثار والتكالب والإستعماروالإملاق في معيشة سكانها.

كذلك تجلى نوع أخر من أنواع "الماركسية الجديدة" (مهمش أوربيةً) في تنـظير: "الإشتراكية الإسلامية"، مثلما تجلى بعده شكل مسيحي كاثوليكي (مهمش إعلاماً) سمي "لاهـوت التحريـر" وهو طرح ثوري للعقيدة الكاثوليكية في أمريكا الجنوبية، يدين إستغلال الدين في دعم الإقطاع والإمبريالية.








على أية حال فإن الكتاب يقارب "الماركسية الجديدة" بإعتبارها نسقاً متفاوتاً من الكائنات الفكرية: بعضها يبدأ حياته بنقاش طروح ماركس بداية من تحليل أوضاع معاشه وظروف حياته الفكرية في صورة (ماركس الشاب، وماركس الناضج، وماركس الحكيم) أو صورة (ماركس اليهودي وماركس الملحد) وصورة (ماركس المناضل وماركس اللاجئي وماركس المقيم الباحث) ...إلخ ، ولا يقتصر التأثيل على تناول تأويلات الماركسية الجديدة وبحثها نظريات ماركس فحسب. بل يتناول تبلور التشكل "الماركسي الجديد" مع خلاصات يقدمها كموضوع للحال الذي يتناوله ونهايته إلى إستدامة النقاش حول التنظير وأبعاده أكثر من إسهامه في العملية الشيوعية المباشرة لحرية الكادحين والمستضعفين من الإستغلال وما فيها من تنقيح عملي لكل النظريات من ذلك يهتم التأثيل ببعض القيم المبلورة في غرب أروبا وحدها مركزاً لـ"الماركسية الجديدة"، وحتى لـ"تجديد الماركسية" كقيم وتنظيرات: "الثقافة"، "المثقف العضوي"، "الثقافة الجماهيرية"، "التنمية" و"اللامركزيـة"

كما يتناول الكتاب ما إنعقد به بعض آخر من "الماركسيـة الجديـدة" في أنحاء العالم ببروز حركات التحرير (الإقليمية) في أفريقيا وأسيا وأوربا، من كردستان تركيا والعراق إلى جنوب السودان إلى الباسك، إذ تناضل الحركات التحريرية لوضع أفضل|مستقل لتقريـر شئون السلطة والثروة في أقاليمـ(ـها) و(داخل) أوطانـ(ـها). وفي هذا الصدد يتناول التأثيل في إطار نضال حركات التحرر (الإقليمية) لإشاعة الموارد والسلطات في بلادها جهد بعض من تفتحات الماركسية الجديدة إلى تحقيق ذلك التحرر بتنظير منها لا يعلن رفضاً قاطعاً لجملة التنظيم الرأسمالي الذي أقعد أقاليم البلاد بل بتركيز (نضالها) ضد رأسمالية مركز الإقليم مهملة دور رأسمالية المراكز الدولية التي خلقت الرأسماليات المتمركزة في أقاليم العالم المهمشة.

وإلى هذا يتناول التأثيل أحوال الصراع الفكري أو ضعفه في جدل حركات التحرر الإقليمي، وحركات التحرر الوطني، وبقية أقسام القوى الوطنية الديمقراطية المتواشجة معها موضوعياً. مما يواشج موضوعيةً تشاكل نضالات قوى شعوب فيتنام وكمبوديا والجزائر مع أو ضد نضالات الحزب الشيوعي الفرنسي، حين كانت هذه البلاد جزءاً من دولة فرنسا الليبرالية التي كانت تستعمر هذه الدول وتستثمرها في المجال الدولي، وتضطهد في ذات الوقت الطبقة العاملة الفرنسية والزراع والكادحين الفرنسيين في فرنسا الداخل. وهو جدل دار في نفس الوقت الذي كانت فيه السلطة الليبرالية لفرنسا ديجول بعد الحرب العالمية الثانية تقوم بتصفية دموية وآيديولوجية لبنيات وعناصر "المقاومة الفرنسية" French Resistance التي حاربت الإحتلال الألماني وتصدت بعد التحرير لأسسه في تركزات التنظيم البرجوازي. فبهذه التصفية إستمر حكم البرجوازية الفرنسية الليبرالي التي كانت عبر حكومة فيشي العسكرية قد حالفت الإحتلال الألماني (حفاظاً) على فرنسا والكاثوليكية من (خطر) اليهودية السياسية! تكرار العنصرية ضد وطنية داريفوس، ولحماية فرنسا كما أدعى الحكام عملاء النازية وأتباعهم من (خطر) الشيوعية التي أستوت في أوربا من الجدل المواشج التنظيرات الفرنسية للعلم والإشتراكية!

عند التأثيل يتصل الموضوع الوطني في كينونته الطبقية والقومية في جانب شبيه بالحالة الفرنسية أعلاه بتجليات قديمة ومستحدثة لصراع قديم في مدن روسيا وأريافها الواسعة بدأ قبل ثورة أكتوبر بين "الإشتراكيين الشعبيين" الروس، و"الإشتراكيين الديمقراط" اليهود، و"الشيوعيين" حول "أسس ووسائل وأهداف الإشتراكية" حيث ظهرت بعض أبعاد هذا الصراع في تنظير"الإشتراكية العلمية" وتناظير الإشتراكيات الأخرى "الوطنية" و"الديمقراطية"، والبينبينية وهلم جراً.

في محاولة لفهم حالة نشاط حركات التحرر في أقاليم الدول المستقلة حديثاً، وإنحسار التحرر الوطني العام يؤشر التأثيل إلى ان هذه الحالة تكونت في ظرفين الأول: تبلور حركات التحرر الوطني في العالم وعملية إنجازها بشكل مباشر أو غير مباشر مهمة الإستقلال السياسي العام، والثاني: ظهور المناشفة من جديد وسيطرتهم على الحزب الشيوعي وعلى الإتحاد السوفييتي بعد المؤتمر العشرين سنة 1956 فساد أسلوبهم الإصلاحي العالم ليس بحكم بطبيعة الصلة الصهيونية بين قيادات المناشفة في الإتحاد السوفييتي وفي بريطانيا والولايات المتحدة كما قد يبدو بل بحكم نتيجة الضغط العنيف على قوى التحرر في العالم والإتحاد السوفييتي بزيادة الإغتيالات والإنقلابات والتدخلات العسكرية مما زاد حالة "التعايش السلمي" بين قطبي العالم وفي داخل حركات التحرر أو في بلادها المستقلة حديثاً حيث تبلور من ذلك التعايش وضع يمكن وصفه بشكل عام بكونه "حالة إنتـظار الأحـزاب الشيوعيـة لتطور وعي الجماهير"!!. تطوراً يتم مع خفض وتائر النضال الحزبي عفو وتلقاء مكونات حاضر الناس أي دون تصعيد شرائحها المنظمة للحالات الثورية التي تفل أسس تغييب الناس وإستلاب وعيهم.

كان ذلك الشكل السياسي وتغييبه الوئيد لتطلع ونشاط الحركة الشيوعية إلى التغيير الجذري موافقاً لتفكير المنشفيك القديم بعدم القفز فوق حفرة التخلف والإستغلال وسعيهم بمنطق إنتظار أن تردمها الرياح لإيقاف الثورة الإشتراكية بدعوى "عدم حرق المراحل"، فكانت حالة ذلك التعايش والإنتظار اللاموضوعي، هي البداية الموضوعية في مجالات الفعل السياسي لعدد من الإنقلابات العسكرية اليسارية ولعدد من الإنقلابات الفكرية-السياسية إلى اليمين، ولنشاط أفكار ونضال حركات الحرية الإقليمية وعنفوانها في الثلث الأخير للقرن العشرين ضد حالات الإستعمار الداخلي في الدول المستقلة حديثاً، خاصة مع وضوح خلل التركيبة العنصرية داخل الأحزاب الشيوعية لصالح ذات التركيبة العنصرية المسيطرة في المجتمع والدولة وإرتباطها معها بوشائج القربى وأقانيم وفهوم الثقافة التقليدية التي يدعو كل واحد منها الآخر.



وإذ يقوم الكتاب بتأثيل أزمة تباين نضالات التحرر الوطني والتحرر الأقليمي فإنه ينظر إلى حالة تعامل بعض الأحزاب الشيوعية مع الحضور السياسي الدولي والمحلي بشكل تجريبي وتجزيئي معقود بصيغة "ميزان القوى" بإيمان بقرار الحالة الراهنة للحضور الإجتماعي-السياسي في العالم وعصيها على التغيير إلا بطرق ليبرالية تشكلها القوى المسيطرة بالمال والسلاح والإعلام على هذه الحالة!

يتناول التاثيل طبقيةً بعض من تباينات ثقافية - سياسية في كينونات المسألة القومية والمسآئل الوطنية والإقليمية المتنوعة بصورة تختلف طبيعتها الطبقية-السياسية إختلافاً كبيراً: عن الصورة العنصرية التي تشكلها عفواً أو قصداً قوى الإعلام السائد ومؤسسات المعرفة الممولة رأسمالية.

فضد تجاوز الإعلام الإمبريالي-الإقطاعي المضمون والبرجوازي البنية العوامل والصلات الطبقية لبعض الأمور القومية والدينية لحركة الأفكار والثقافات والدول خارج المراكز الإمبريالية يتجه التأثيل إلى مسألتين جدليتين طبقيتين دقيقتين هما:

1- مسألة التفارق النظري والعملي بين مصالح وتنظيمات وأفكار وأحوال وتحركات الإقطاع والبرجوازية في مجال إحتكار الموارد والسلطات في جهة المركز، وفي جهة أقاليم العالم، وتميزها بقدر كثير من (أنا) ،

2- مسألة نسق مصالح وتنظيمات وأفكار وأحوال وتحركات الطبقة العاملة وعموم الكادحين في مجالات وعوالم التفكير والنشاط الشيوعي في المجتمعات لهدف إشاعة الموارد والسلطات وتميزها بقدر كثير من (نحن)

ففي العوالم التقليدية لسياسة مهمشي العالم وبالتحديد في عالم اللغة العربية والإسلام ومصالح وتنظيمات وأفكار وأحوال وتحركات الإقطاع والبرجوازية العربية السائدة يلاحظ التأثيل التواشج المثلث بين الظواهر الثلاثة الآتي سردها:
1- إقتصادات التخلف والتبعية
2- حالة القمع المنظوم لقوى التقدم الإجتماعي المتناسق والسلام العالمي،
3- توليد مؤسسات الإعلام والمعرفة لنزعات الكراهية والتعصب القومي والديني بشكلين: شكل منسحب منكفي وكهفي، وشكل هجومي مدافع عن القيم والأخلاقيات التي يأكلها التنظيم التجاري لموارد الحياة، وهو شكل قد يصدق عليه القول المأثور أنه لا أرضاً قطعا ولا ظهراً أبقى.

لعل هذا التأثيل يفيد شيئأ في قضية علاج حالة القوة والعنف والإنقلابات العسكرية والإرهاب التي تفشت في عالم العرب والمسلمين نتيجة القهر الإمبريالي وقمعه حركة التحرر الوطني في ذلك الجزء من العالم وحده بالنظم والقوى الدينية تقدم الأفكار الإشتراكية العلمية.

كذلك يتناول الكتاب أزمة العلاقات الدولية التي تعيشها الشعوب المستضعفة، والمسلمين ضمنهم، بتأبيره نخل التصورات النضالية لهذه الشعوب وكفاحها المتنوع والمستمر لأجل التخلص من حالات الإستعمار قديمه وحديثه: ففي صدد تلازم التحرر الطبقي والقومي بنسق تقدمي علمي لتنظيم الإنتاج والثقافة يبين التأثيل في جهة ضد: طبيعة بعض الفروق بين التنظيمات المرتبطة بأفكار وقوى الإقطاع في العالم العربي اللغة، وطبيعة تنظيم تقدميي وشيوعيي العالم، على تعدد أجناسهم ودياناتهم ومعتقداتهم وبلادهم، مما إرتبط منذ أواخر القرن التاسع عشر بحركات مدنية وسلمية حزبية ونقابية وثقافية وتقدمية وثورية وبتحركات وتظاهرات شعبية علنية منظمة وذات فنون تناهض سياسات الإستعباد والإقطاع المحلي والدولي والعنصرية والإستعمار الرأسمالية. موضحاً إمتياز التفكير والنشاط التقدمي والشيوعي في ناحية تكوينه ووسائله، وفي ناحية أهدافه بعدد من الأوضاع تتوافق منطقاً مع الطبيعة العامة لتنظيره، وذلك على النحو الآتي:

فمن ناحية التكوين الثقافي الإجتماعي لأفكار ونشاطات التقدم والشيوعية يتناول التأثيل إمتياز النضال التقدمي والشيوعي إمتيازاً نسبياً على غيره من النضالات المعروفة في تاريخ المجتمعات لأجل تحقيق العدل في تقسيم موارد وجهود وخيرات العمل، ولأجل السلام بأنه تضمن:
1- نظر علمي تاريخي شمولي لحركة المجتمعات وطبيعة تأزمها وكيفية حل تناقضاتها، بإختلاف كبير لهذا النظر الشمولي عن النظرات الجزئية ونضالاتها.
2- إمكان إشتراك الناس كافة فيه كنضال ضد الإستغلال والتهميش دون ميز ضد بعضهم لسبب من نوعهم أو أصلهم أو دينهم.
3- تخديمه الوسائل العلمية المتكاملة (النظر، والتحديد، والقراءة والملاحظة، والإستنباط، والفروض، والإختبار، والنقاش، والتقويم، والتنمية) في إتساق مع تخديمه الوسائل العملية الجماعية الواضحة سلماً وقوة ضد الطغيان.

وفي جهة الوسائل والأهداف، فإن التأثيل يتناول إختلاف طبيعة وسائل وأهداف النضال الشيوعي عن النضالات الدينية المتأثرة بحالة تربب الطبقات الأعلى المالكة موارد العيش ووسائل الحياة على الطبقات المؤسسة حياة المجتمع، فيؤشر التأثيل إلى إرتباط النضال الشيوعي بإزالة أساس النظام الطبقي الكامن في ملكية بعض الأفراد موارد ووسائل الإنتاج الضرورة لحياة المجتمع تحريراً لكافة المجتمعات والشعوب من ربقة مستغليها برفضه هذا الإمتلاك الضار بتناسق المجتمع مما يختلف عن كثير من التأويلات التي تقر تسويق ورسملة وعولمة الموارد والوسائل الضرورة لعيش الشعوب وتقدمها حيث يناهض النضال الشيوعي كافة حالات تدجين الذات والسماح بالإستغلال والتهميش بتسليع الحياة وإستلاب الوعي.





في هذا الصدد يعتبر الكتاب بشكل موجب في بعض تأثيلاته بموقف الشيوعيين المضاد لحصارات وحروب العدوان الإمبريالية على الشعوب منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى وحتى بعد موجة الإستقلال بعد الحرب العالمية الثانية، كما يعتبر التأثيل بالفرق الكبير بين نضال الشيوعيين المتقدم ضد أنشطة العدوان الإمبريالي على شعوب الصين وكوريا والملايو وكمبوديا ولاوس وجنوب أفريقيا وفيتنام والجزائر ومصر وكوبا والكنغو وغينيا وشيلي وبنما ونيكاراجوا وليبيا ويوغسلافيا وأفغانستان والعراق، ووقوف كثير من المتدينين صفاً واحداً مع الإقطاع و الإمبريالية والإستعمار ضد حقوق هذه البلاد وشعوبها. وقفة العثمانيين القدامى أو الجدد ضد حقوق شعوب البلاد العربية اللغة أو وقفة بعض قادة قبائل العرب حينذاك مع الإستعمار الأوربي (للرأسمالية) ضد إقطاع الدولة الإسلامية العثمانية أو وقفة الأوربيين الإمبرياليين والإقطاعيين العرب معاً ضد التوجهات الإشتراكية لمصر عبد الناصر وكثير من الدول العربية في النصف الثاني من القرن العشرين.


وإضافة إلى إهتمام التأثيل بأحوال مكافحة الإستغلال الإمبريالي للشعوب وإشارته إلى إسهامات التقدميين والشيوعيين الكبري في نضالات التحرر الوطني والطبقي والقومي من سياسات القهر الإمبريالي وإضناكه معاش الناس بنظم تجارية ومالية مجحفة لهم، فكذلك يهتم التأثيل بنضال التقدميين والشيوعيين لدفع ومساندة حركات التقدم الإجتماعي للنقابات والشباب والمرأة والأندية الإجتماعية والجماعات الثقافية في كافة البلدان إضافة إلى نضالاتهم لأجل تعويض الجماعات والشعوب والبلاد التي إنتهكت حقوقها تعويضاً مادياً وثقافياً عادلاً عن الجرائم التي تعرضت لها من قبل الدول والمصالح الإمبريالية، كجرائم الرق والإستعمار المباشر قديماً أو جرائم الحصار أو العدوان الحديثة آخر القرن العشرين وما بعده.

في تأثيل المواقف الموجبة للشيوعيين في السياسات العالميةً يعتبر الكتاب بأوضاع الدولة الشيوعية الأولى في التاريخ للعمال والمزارعين وعموم الكادحين وهي : "إتحاد الجمهوريات السوفييتية الإشتراكية" وهو أول دولة في التاريخ والعالم تجعل "السلام العالمي" هدفاً رئيساً لها ضحت لأجله بنضال حزبها الشيوعي وبإستقرار الدولة وأراضيها في الحرب العالمية الأولى، وبالملايين من مناضلي الحزب ودولته ومواطنيها حياة أكثر من عشرين مليون في الحرب العالمية الثانية. ويعزز هذا الإعتبار: تضحية الدولة الشيوعية بوجودها نفسه في أخر أمرها تصديقاً بحلها الذاتي لخيار السلم في وجود الدول وإضمحلالها، وخروجها من الحياة، دون أن تلج سكك العناد والغطرسة الدولية والحمق من نوع: (علي وعلى أعدائي).




وفي موضوعات متنوعة في هذا الكتاب يتناول التأثيل بعض المواقف الرجعية، وبعض المواقف التقدمية في قضايـا حركة المجتمعات وبالذات في مجالات التحرر السياسي وعلاقاته بالتحرر الإقتصادي الإجتماعي والثقافي ناظراً ومتأملاً علاقتهم بـحال "التحرر الوجداني والعقلي" المصاحب لهما، سواء كان ذلك في بلاد المراكز الإمبريالية أو في هامشها العالمي في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.

وينظر التأثيل أيضاً إلى بعض التقاطعات بين مجالات وحركات التحرر وأساليبه وأحداثه سواء في بعض إفرادها أو في بعض إجمالها: محاولاً كشف زيف كثير من العناصر والأطر القياسية والتحليلات التي تعتمدها هيئات الإعلام الإمبريالية حين تقتصر في عرضها أحداث دول أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية على تناول مفرد أو ثنائي مجرد لعنصري العرق والدين معزول عن بقية الظروف المحيطة بالحدث، خاصة عند تناولها التناقضات السياسية وأزماتها في بلاد تلك القارات كشيء طبيعي ثابت وأبدي دائم راسخ في العنصر اللاأوربي أو في الإسلام بشكل لا يوضح صلته بالأوضاع الطبقية الإجتماعية والثقافية الملازمة لتشكيل هذي التناقضات وحركتها.

وإذ يعترض التأثيل على هذا النوع الواحدي القياس من التحليلات فلأن طبيعة قياس التنوع السياسي بعنصر واحد تحول إختلاف طبقات الناس وقومياتهم ومواقع عيشهم وأساليبهم في العمل والتفكير من حالة يمكن تغييرها وتنسيقها إجتماعياً والتقدم بها لتلبية حاجاتهم، إلى مصدر مستدام للنزاعات والحروب. ويزيد التأثيل إعتراضاته على قيام الإعلام الإمبريالي بعنصرة الأحداث السياسية وتديينها لأن هذا النوع من عروض الإعلام ينقل عداوات مجتمع العناصر المتحاربة إلى عموم المجتمع والدولة وإلى العالم كله في تنمية دقيقة للكراهية بين البشر.

في ما سبق يهتم التأثيل بفحص العلاقات الإقتصادية-الإجتماعية-السياسية-الثقافية التي كرست أوضاعاً مؤثرة في التاريخ العالمي (بداية) من روسيا مما إنعكس في أقانيم تطور الشيوعية في ذلك البلد ومن ثم في تطور العالم. فإذ كان العالم يتطور بتدافع العوامل الكامنة في كل بلد، وتراكم حركتها ونتائجها وطفرها لأعلى، فإن تطور العوامل الوطنية في بلد بحجم وموقع وتشكيلة روسيا وإرتباطه بالنضال ضد الإمبريالية والإستعمار العالمي، يوكد أهمية تأثيل تطوره: حيث نظر التأثيل تواشج الظروف الخاصة والعامة للمجتمعات في تأمله بعض التباينات القديمة لسكان روسيا وطبقاتهم ومجتمعاتهم وإختلاف نظراتهم إلى الإشتراكية بين الناس في السلطة والثروة، وإختلاف مواقفهم من قياداتها ومن تطورها أو تدهورها إختلاف الـروس الأوربيين الأرثوذودكس بأريافهم وزراعتهم وبمدنهم وطبقتهم العاملة الصناعية، والآسيويين الرعاة والمزارعين المسلمين بقبائلهم وإقطاعات نمط إنتاجهم الآسيوي، وجماعات مملكة الخزر اليهود بفئاتهم الحرفية التجارية، والمهنية النظرية، والمهنية العمالية المنتشرة بأصليها الأفريقي ثم الأسيوي في أوربا.

ولكن بعيداً عن عصبيات الإقطاع العرقية بحروبه الصليبية القديمة والحديثة، وعن الثورات المحررة المجتمع من تحكم الطاغوت في معيشتها، يبدو للتأثيل ثمة أهمية لتفكيك تناقض في البنى الفكرية لمجتمعات جمهوريات الإتحاد السوفييتي السابق بين كل من: النظرات الدينية إلى أمور الحياة وهي نظرات نشأت فيه بعهود الإقطاع، والنظرات العلمية الحديثة إلى أمور الحياة التي نشأت بتكون أو تحلل الرأسمالية (آنذاك) متسمةً بذات السياق الإقطاعي حيث تصدر الفكرة من زعيم أو كاهن معرفة وتستقوى بأمور الحكم والزعامة السياسية، فتبقى صلاحية الفكرة مسألة قدرة سياسية أكثر من كونها تناسق عناصر وسياق ومقدمات وتحليل ونتيجة فحتى إمتزاج كثير من الأفكار الليبرالية بالقدرة السياسية لعصر الثورات حرفها إلى عقائد كثيراً ما يخالفها الضمير والإعتقاد الداخلي للفرد أو الحزب أو الدولة.


ولأن التركيبة الإقطاعية تبقى مضمرة في الأفكار الحديثة، فإن كتيب التأثيل يكدح إلى جعلها محل نقد وتفكيك بَنَاء، مختلف ومغاير لميل موضة التفكيك السائد إلى المسآئلة الدائرية اللانهائية. ولذا يهتم التأثيل بتفكيك عملية تفكيك النصوص ونقلها من مجال البنية السياسية المباشرة لإنتاج النص وتوليدها الحاكم لمعانيه إلى مجال بنية التلقي والتفكير. منبهاً إلى فعالية تخديم أسلوب التفكيك في النضال ضد بعض الظواهر الذهنية-اللغوية والنفسية-السياسية في خطابات بعض القوى الحزبية مثل ظواهر اللاأبالية والأنانية، والخضوع.

ويجتهد التأثيل في هذه المحاولة لتخديم التفكيك بشكل بناء لأن بعض إمكانات تقدم الإنسان تواشج إنتقال الذهن من حالات القعود أو الإنحصار أو الإحتكار ومن حالة التسآؤل المفتوح عن وجود النهار في النهار، وكلها حالات تجمد البحث عن تناقض يجب علاجه فرضته ظروف إحتكار الفهوم بآليات عدداً منها التفكيك نفسه، إلى حال فعال لرفض التناقض السائد والتمرد ضده، بل وحتى الإنتقال إلى حال الثورة ضد بنية السيادة نفسها، وإزاحة طاغوت الأفكار والممارسات التي تسفه قيمة الإنسان في الوجود بآليات الإستلاب والإغتراب التي تمنع وتحرم على البشر التفكر في أمور الحياة والعالم حولهم وتمسخهم بهذا الحرمان إلى شيئ تافه كأن لم يك شيئاً مذكورا.

وعند التأثيل أن تفكيك البنية الذهنية والعقلية لعملية تجمد البحث في التناقضات التي تعيق تقدم البشر في أوضاع ومجتمعات وحركات مختلفة يرتبط بتحرير أولي لمفردات اللغة من الحالة التي تستوي فيها الأوضاع والمجتمعات والحركات تحريراً موضوعياً من أسار مراحل الإستعباد والإقطاع والرأسمالية السابقة بداية تكون "الوعي" كشكل للتفكير معقود بفهم الأسس والأبعاد المادية والإجتماعية للإنتاج .


وفي هذا الصدد يهتم التأثيل بأن تحرير بعض مفردات اللغة من تصنيم المعاني الطبقية والتراتبية في المجتمعات الإستغلالية يواشج كشف الوضع السالب نسبيةً لحالة الذهن والعقل القديم في الوجود جهة الطبيعة وجهة وجود المجتمعات، كما يتحري الوضع الحديث للذهن والعقل في إيجاب تفاعلهما مع تطور وسائل الإنتاج والعمل وفهم الناس أبعاده. فيندفع التأثيل إلى تناول بعض أوضاع الجمود الثقافي والسياسي بالإشارة إلى تاريخ بعض التكوينات الفكرية والسياسية الحديثة مثل تكوينات "الثورة الوطنية الديمقراطية"، وتكوينات "اليهودية السياسية" و"المسيحية السياسية"، و"الإسلام السياسي"، وفحص إضمار بنيتها الإجتماعية والذهنية لعناصر تقلل إنفتاحها وحركتها وتجمد إنطلاقها من أغلال موضوعية وأخرى ذاتية.

ولما كانت الشيوعية والماركسية-اللينينية من الظواهر الأهم في تاريخ تواشج الوجود الإجتماعي والتاريخ والفلسفة والعلوم والسياسة وأحوال الحرب والسلام، فإن هذا الكتاب يحاول تأثيل بعض قليل من بعض أعمال ماركس وإنجلز ولينين وستالين وشراحهم ونقادهم، محاولة قائمة على مجرد الإشارة إلى بعض النقاط الثقافية والإجتماعية السياسية في خلفية أعمالهم، مثل:

تأثر ماركس ببيئته الجغرافية السياسية في قرية تيرير الألمانية قرب (ميناء العبيد) وما سادها من الأفكار الإشتراكية والثورية الفرنسية وبوضع عائلته فيها وفي عموم الحياة العرقية-الدينية لأوربا الخارجة من القرون الوسطى كذلك تأثره بالنشاط الثوري الهادئي لأساتذته ولوالده وببعض أعمال الفلاسفة القدماء الماديان أبيقور وديمقرطيوس والتصنيفي العلمي التاريخي السياسي أرسطوطاليس. وكذا تأثر لينين المتعدد الأعراق في بلاده الواسعة المترامية بأعمال فيلسوف البناء والقوة نيتشة، وبأعمال منظر السياسة ميكافييلي، وبالوضع العنصري-القومي في روسيا.

كذلك يؤثل الكتاب هم لينين ببيان القوة والبنيان [=Strategy] في كتاب نيتشه الأشهر"هكذا تكلم زرادشت" وفي كتاب "السياسة" لميكافييلي، وعلاقة هذا التأثر بـحالة "الأزمات والحروب الدينية للإقطاع والحروب القومية للرأسمالية" وتجليها في "النزاعات الداخلية في روسيا" بين قوميات المسلمين، والروس المسيحيين، وشتات الخرز اليهود، وما كان عليه أكثرهم من إضطهاد منهما وإتجاه بعضهم إلى التنفس والحياة بأعمال التجارة والبنوك وخدمة الحكومات وإنتهاز فرص الخلاص، بينما إتجه قلة يهود إلى تغيير إحتكار السلطة والثروة والخروج من فرعنتها بإشاعة الثروة والسلطة في كل المجتمعات للناس كافة لتتهيأ لهم بيئة عدل وسلام وأمن دائم.






يهتم الكتاب أيضاً بتأثيل تكوين ونضال إبن الهامش الفلاح الجورجي القائد الكادح يوسف إستالين الذي قاد هجومات التحرير العسكرية للشيوعيين الروس والكازاخ والتركمان والأوزبيك ضد المصالح النفطية لآل روتشيلد وآل نوبل وآل روكفلر في جنوب روسيا قبل الثورة. فيعرض التأثيل لتكوين قائد النصر العالمي على النازية ككادر إستراتيجي كونته الحروب في ظروف أزمات الإقطاع وهجوم دول المصارف والإستثمارات الكبرى على روسيا (حتى الآن) كمنجم ضخم قريب وكنز مطلوب في خريطة إستثمار العالم، كما يرتبط تأثيل تكوين إستالين بنفوره الشديد من تقلبات السياسيين (التقليديين) وفيهم زعماء اليهود المنشفيك جهة الأزمات.

وإذ يعرض التأثيل بشيء التفصيل لأعمال ستالين فللأهمية التي حازها عهده في تأسيس إتحاد الجمهوريات الإشتراكية السوفييتية والمكانة التي إحتلها ذلك الإتحاد وحزبه الشبوعي في صياغة كثير من القيم النظرية للتقدم الإجتماعي في دول العالم وفي دفع العالم من حالة الشتات إلى حال الإتحاد الأممي والأمم المتحدة بإقتراح نظم سياسية وإقتصادية وإعلامية وثقافية جديدة، خارج سياق تملك بعض الأفراد موارد العالم وجهود كادحيه وسيطرتهم بالتالي على دوله وحاضره ومستقبله في نوع جديد من العبودية والإقطاع. وتأثيل هذا الكتاب بعض أعمال إستالين موصول بكشف إرتباطها بالحدة الأصيلة لنشاطات البلاشفة بقيادة لينين وإستالين في الصراع الطبقي والقومي والثقافي والحزبي الشيوعي ضد المنشفيك وتروتسكي في حزب الإشتراكية الديمقراطية (الروسي)!: وبعض ما نتج من ذلك إيجاباً أو سلباً: فيعرض الكتاب الظروف التي لابست تكوين "الجبهة الشعبية" في أسبانيا الملكية الكاثوليكية وفوزها المبين الناصع في الإنتخابات ضد القوى الرجعية ثم الحرب العسكرية التي شنها ضدها التحالف الفاشيستي للملكيين والإقطاع والكنيسة والدول الإقطاعية منتصرين آخر تلك الحرب الضروس 1936-1938 على الجبهة الشعبية للتقدميين والشيوعيين والإشتراكيين بفضل نشاط تروتسكي ضد الشيوعيين وتمزيقه التحالف الشيوعي الإشتراكي مما ضعضع الجبهة الشعبية وهزم قواتها في إنتقام تروتسكي رهيب من تصلب سابق أبداه ستالين ضد إقتراح المناشفة بدعم (ثورة) يهود ألمانيا وحزبها الإشتراكي الديمقراطي عشرينيات القرن العشرين تصلباً كان شعاره "بناء الإشتراكية في كل بلد وفق ظروفه وإمكاناته" حيث تمسك ستالين بسياسة بناء روسيا أولاً قبل دعم (الثورات) الأجنبية على حدودها خاصة ضد الإمبراطورية الألمانية- النمساوية-المجرية وحلفاءها، فلاقى الثوار الألمان الأمرين. وتبعاً لهذا الموقف المتحفظ هاجت إنتقادات تروتسكي ومموليه في فرانكفورت وسويسرا ونيويورك ضد كل مواقف وكتابات ستالين في "المسألة الوطنية" فكتب تروتسكي ضده "المسألة اليهودية" نافراً بصهيونية من شك ستالين في [مصالح البرجوازية] اليهودية في أوربا ضمن تأثر إستالين كشيوعي بعملية إستلاب البرجوازية للثورة الفرنسية وإجهاضها، إذ إعتبر إستالين تلك المصالح التي تحكمها "حرية المصارف" محركاً لتذبذب إشتراك برجوازية أوربا في ثورات شيوعية جذرية تدحر نظم وتحالفات الإقطاع والرأسمالية معاً خاصة مع قوة إمبراطورية ألمانيا آنذاك وضعف روسيا.

من ذلك العداء المتجدد بين المناشفة وخطهم الليبرالي والبلاشفة وخطهم الثوري ينظر التأثيل إلى أن مسألة التملك "إمتلاك بعض الأفراد موارد حياة الناس منفردين بوسائل إنتاج المجتمع لضرورات عيشه" كانت هي المحور الموضوعي للتفارق القديم بين الإشتراكيات المختلفة وبضدها أي بإمتلاك المجتمعات إشتراكيةً وسائل حياتها إمتازت الإشتراكية العلمية عن دعوات إصلاح الإقطاع، وعن الإشتراكيات الخُلب المنافقة بين الطبقتين، وعن دعوات الليبرالية والحرية الرأسمالية .

وفي ميز صدقية "الإشتراكية العلمية" ينظر التأثيل إلى أن القيمة التاريخية الأساس في تحديد صدقية الثورات تتصل بطبيعة الطبقة المسيطرة على مقاليد السلطة والتنظيم العام لموراد العيش ووسائل الإنتاج، وبهذا العيار الطبقي فإن ما يعده الكادحين وأنصارهم ثورة يحسبه البرجواز تمرداً وعصياناً وكذلك كان ما يعده المناشفة ثورة قد يكون أولاً لفعل سياسي أخر لا يدري البلاشفة عن أبعاده شيئاً.

من هنا يتناول التأثيل بعض حالات توسيع تروتسكي هجومات الإشتراكيين القدامى والمنشفيك ضد السياسة الوطنية-الدولية للشيوعيين وإهراءه الوحدة النظرية والعملية لصفوف الجبهة الشعبية في أسبانيا بهذا الهجوم المتعاظم وتسبيبه تفرقها وهزيمتها، وهنا يتناول التأثيل الإفتراض بإن الطبيعة الخاصة لسياسة إستالين في درء خطر الحرب مع ألمانيا آنذاك كانت سياسة منسجمة مع تكتيكات البلاشفة وأهدافهم في كسر الإمبريالية في أضعف حلقات تماسكها (روسيا) ثم الحفاظ على تلك الحلقة وتطويرها والإرتقاء بها، وقد ظهرت أممية البلاشفة بقوة في قيام إستالين بدعم نضال جماعات وجيش الكومنتانج الليبراليين وكذلك دعمه نضال الشيوعيين في الصين ذاخراً حرب التحرير الشعبية للصين كأكبر حركة تحرر في العالم ضد حلف الإقطاع ورأسمالية الإستعمار بعد إنتصار الثورة العظمى في روسيا، مما تلاه إستالين بعد تأسيس الجمهورية الشعبية للصين بسدود ومصانع وسكك حديد عددا.

جملةًً، يمكن القول أن أزمات ونزاعات الإجتماع الإقتصادية والسياسية والثقافية لسكان الهامش في إمتدادات روسيا القديمة، وظروف أزمات حركاتها الثورية في صراع المناشفة والبلاشفة والحروب الضروس بين الشيوعية وأعدائها القياصرة والإقطاعيين والكولاك والدول الداعمة لهم وكذلك بين حركات التحرير في العالم والقوى الفاشية والنازية، أسهمت كلها فى تكوين ستالين كقائد شيوعي وفى تشكيل السياسات بناء أول دولة للعمال والمزارعين وعموم الكادحين في التاريخ والعالم وفي سياسات الدفاع الشرس عنها ضد البرجزة الداخلية والخارجية، ثم سياسة إعمار ما دمرته الحرب رغم الحصار الدولي ضد الدولة السوفييتية وذلك قبل أن يستولى المناشفة على الحزب والدولة بعدما سمموا ذلك القائد العالمي.



في هذا الخضم الذي لم يزل يؤثر على أشكال تكون النضالات الثورية في المجتمعات المستضعفة وعلى نشاط حركات تحررها من التخلف والرأسمالية وفي معمعان تباين أشكال ودرجات الوعي بتفاسير التاريخ وجهة التقدم الإجتماعي فيه، تظهر أهمية تأثيل العلاقات بين القرارات السياسية والظروف الإجتماعية والثقافية للتغييرات الإقتصادية في عملية كشف وتحديد أضعف الحلقات في تسلسل نظم الطغيان، وإيضاح أضعف مراكزها في أوسع هوامش بنياتها الإجتماعية والثقافية، وكيفية حساب وتقدير الحساسيات الإجتماعية الثقافية في تلك المراكز والهوامش عند التعامل السياسي معها، وبعضه يُلمح بعضه في وصف إبن خلدون لجذر تقدم الممالك بالعصبية! لذا فمن أهمية "العصبية" يتناول كتيب التأثيل بعض الأجزاء الأولى من تاريخ بناء أول دولة في التاريخ والعالم وقد كانت عصبية حكمتها إلى حد كبير مصالح العمال والفلاحين وعموم الكادحين هاماً بالطبيعة الثورية لبداية بناء هذه الدولة ضد أعراف التجارة والنقود التي تعلي بعصبية معينة قيمة الأشياء وتبخس قيمة العمل بمعيار النقود وهي تطفف موازين عرضها وطلبها، لإصطناعها إياها وتحكمها في وفرتها.

يوضح التأثيل أن طبيعة نجاح الحزب الشيوعي في بناء العناصر والأسس المادية للدولة السوفييتية ضد كل العرف التاريخي المتصل لألاف السنين لأعمال التجارة والنقود ومقاولاتها كانت طبيعة معقودة بإعتماد الأسلوب الشيوعي في بناء الجمهوريات الإشتراكية السوفييتية على أشكال متنوعة لعملية التخطيط المركزي والتوزيع المحسوب به للموارد والمنافع و(السلع) في تلبية حاجات الناس الضرورة أولاً ثم تلبية ما يليها ضرورة ثانياً، دون رهق مستدام للناس بأسعار ورسوم وديون باهظة كثيراً ما نقض الحكماء في العالم من أرسطو إلى ماركس أسسها النظرية وتسآئلوا بحذق عن فائدتها العامة وجدواهـا الإجتماعية.

ومع تأثيل البناء السوفييتي وتدهورها يهتم الكتاب أيضاً بتأثيل بعض حالات تقدم وتخلف نضالات حركات التحرر في العالم -بريادة السوفييت بحكم تاريخ نضالهم ودعمهم هذه الحركات- بإيضاح لطبيعة تواشج تقدم وإرتقاء تلك الحركات النضالية بعناصر الأسلوب اللارأسمالي في التحرر والبناء وتواشج تخلفها وتضعضعها بتغلب الطبيعة البرجوازية في حركتها للإنتقال المفترض إلى الإشتراكية بشكل إعتمد في كينوناته الوطنية الديمقراطية على إبقاء نمط "تبادل الحقوق (=السلع) بالنقود" في الحياة إعتبرته أكثر حركات التحرر إن لم يمكن القول كل حركات التحرر أسلوباً للحرية والإرتقاء الإقتصادي السياسي والإجتماعي الثقافي! بينما هو في طبيعته أسلوب مقيد ومانع عن الحرية والإرتقاء المتناسق للمجتمع.

وقصر عمليات التأميم والمصادرة على التروس الرئيسة في الإقتصاد لا يعني توقف التروس الصغيرة عن مراكمة الأرباح من خلال بيع جزء من الحقوق الإجتماعية في شكل سلع نتيجة نقص المستوى الإقتصادي السياسي لتلبية الحاجة إليها في المجتمع بشكل متسق مع نمو قدراته وحاجاته الرئيسة.

في ذا يؤشر التأثيل إلى صعوبة في إنجاز برامج الثورة الوطنية الديمقراطية بمنطق النقود المحتكرة عالمية ومحلية. وفي ظروف تسويق تسيطر فيها الإمبريالية بالقوة العسكرية والإستخبارية والتجارية على المفاصل الرئيسة لحركة السلع والنقود في جميع الدول المستتبعة للمراكز الإمبريالية بسياسة إحتكار خاماتها وأسواقها وتحديد قيمة عملاتها وصادراتها إضافة إلى سيطرة الإمبريالية على آليات تكوين الرأي العام المحلي والدولي. مما يلزم الأحزاب الشيوعية والجباه الشعبية وكافة القوى التقدمية وحركات التحرير بالإتجاه إلى طروح ثورية أكثر جذرية.

وضح التأثيل إقتراحات عملية للتغلب على هذه التناقضات المعيقة تحقيق برامج الثورة الوطنية الديمقراطية يتصل أهمها بتغيير طريقة توزيع عائدات الإنتاج المالية على الأطراف الثلاثة لعملية الإنتاج وهم المنتجين والدولة والوحدة الإنتاجية ومتطلباتها خدمةً وتنميةً، وتشكيل قيادة الوحدة الإنتاجية بالإنتخاب من مؤهلين تقنيةً وسياسةً لإدارتها مع إمكان تغيير المنتخب، بل وتكوين القطاع الإداري التقني للدولة ككل من منتخبين من هذه القيادات، كل في قطاعه، إضافة إلى سيادة تمثيل القوى النقابية والعلمية والعسكرية الأمنية والجمعيات المدنية الرئيسة في المجالس الشعبية المحلية والإقليمية وفي المجلس الشعبي العام للدولة.

وهي إقتراحات يرى التأثيل فاعليتها في ظروف الجدل القائم وطناً بين عوامل السيطرة والهيمنة الإمبريالية على العالم ودوله، وعوامل تطور حاجات وقدرات الناس، وإرتفاع طلبهم لحقوقهم وتنظيمهم أنفسهم، وحتى شهرهم السلاح لنيل حقهم في حكم موارد معيشتهم، ولكن من تصاعد المواجهات بين الثوار والحكام، وتفاقم المقاومات الدولية ضد سعي القوى الإمبريالية لفرض سيطرتها على بعض الدول يهتم هذا الكتاب بتأثيل الأزمتين السياسيتين الأكبر: أزمة تناقض البنية الرأسمالية وتعفنها، و أزمة نشاط التحرر الوطني في ظروف محبطة وقامعة .













1- الأزمة البنيوية لرأس المال:

وهي أزمة يراها التأُثيل ماثلة في حالتين متداخلتين:

(أ) زيادة حاجات الناس وحاجات الإنتاج المادية والثقافية وضعف قدرتهم الشرائية المقررة بواسطة رأس المال على سد هذه الحاجات لتعارض إمكان زيادة قدرتهم الشرائية مع تركيز الرأسمالية للربح بتبخيس قيمة العمل.

(ب) الحالة الثانية فهي عجز الطبيعة الإستئثارية والإكتنازية لمراكز رأس المال عن تجديد حياة الناس في مجتمعات العالم المهمشة وتطويرها بشكل إجتماعي ينتقل بقواهم من حالة التكالب لنيل أوليات الحياة إلى حال تلبية متناسقة لحاجات عيشهم في جهة التوزيع وتنوعه وفي جهة الكفاية في العدد.
وهذه الأزمة أزمة موصولة إقتصاداً بالفرق بين قدرة رأس المال الآلية-الكهربية العالية على الإنتاج وعلى عرض البضائع والتجارة بصورة آلية تزيد تكاليفها ومصروفاتها ومضارباتها وأسعارها في جهة بينما في جهة ضد تخفض الأجور الحقيقية للعمال وعامة الكادحين، فتضعف قدرة الناس عموماً على الإستهلاك وتقل إمكانات طلبهم من السوق ما يحتاجونه للعيش والحياة المفيدة الكريمة، ومن عجز الطلب تبور السلع وتضعف قدرة منتجيها على الإنتاج وعلى سداد ديون البنوك، وبالتالي تضعف قدرة البنوك نفسها على التمويل فتزيد أسعار الفائدة أو أنصبة المشاركة وفي الحالتين فإن رأس المال يضعف بنية نفسه كما يضعف معه مجتمع نشاطه، بداية من أضعف عناصره . وقد تطورت حالات هذه الأزمة من القرن السابع عشر حتى أواخر القرن التاسع عشر حتى إستوت بالحرب العالمية الاولى ثم سنوات 1930-1933 فـالحرب العالمية الثانية فالكورية ثم في سنوات الستينيات والسبعينيات ثم في سنوات الثمانينات والتسعينينات ثم أزمة 1999- 2009 .

وإن كانت الأزمة الرأسمالية في القديم تأخذ جانباً واحداًَ من جنبات المحيط الأطلنطي أكثر من غيره فإنه منذ زيادة تواشج البنوك الأمريكية والأوربية وسيطرتها على الإقتصاد العالمي صارت تأخذ بخناق جميع الدول في جميع جوانب بحر العواصف بل صارت سرعة إنتشار الأزمة في الزمن الحديث أكثر شدة والفضل في ذلك إلى الترابط القائم بنظم الإتصالات الحديثة




2- أزمة التحرر الوطني في ظروف قامعة:

وهي الأزمة الظاهرة في كثير من دول الهامش الرأسمالي وأسبابها كامنة في محاولة الناس الحرية دون إشاعتهم الموارد الضرورة لعيشهم وتقدمهم حيث تظهر هذه الأزمة بصورة تأجيل وتقديم أي تأجيل المصالح الشعبية ذات الطبيعة الطبقية العمالية والزراعية-الكادحة، وتقديم ما يسمى بـ"المصالح الوطنية".

وفي هذا الصدد يتجه التأثيل إلى تقديم إشارات إنتقادية ضد الحالة الحاضرة منذ مئآت السنوات في كثير من نضالات شعوب العالم لفصل "المصالح الوطنية" عن كينونة "المصالح الطبقية العمالية": فإصطلاح "الوطنية" خدمته برجوازية فرنسا للإستيلاء على مقاليد السلطة في خضم الثورة الفرنسية ونزعها من الشعب الكادح بمحق وحل "الجمعية التشريعية" ذات النقابات وتبديلها بـ"الجمعية الوطنية" الخالية من تمثيل السندكالات النقابية .

وتخديم إصطلاح "المصالح الوطنية" في بلاد تسيطر عليها إقتصادات السوق المتمركز خارجياً يبدو تخديماً مخاتلاً!! وذلك لتصنيفه إبقاء ملكية بعض أفراد المجتمع لموارد حياته ووسائل عيشه في خانة "المصالح الوطنية" بحجة عدم تخويف الإستثمارات الأجنبية والحفاظ على التعاملات النقودية العالمية للدولة! ولضمان "إستقرار" الدولة القديمة ومجتمعها ونظامها في العالم، أي إبقاء الأزمة.!!
وعجب التأثيل من المنطق السابق لسبب من أن إدامته المظالم الطبقية والإقليمية المحلية بدعوى إتقاء مظلمة إمبريالية لعموم الدولة زادت التدخلات الإمبريالية في الدول المهمشة خلال النصف الأخير من القرن العشرين، وكان التفاوت بين المراكز والهوامش المبلور بالسياسات الرأسمالية وإنتاجه النزاعات والحروب هو أول مستدع لأكثر التدخلات الإمبريالية.

أما إن كان تأخير تقديم مصالح الطبقة العاملة وعموم الكادحين في بعض صور "الثورة الوطنية الديمقراطية" وغيرها من صور الإنتقال إلى الإشتراكية أمراً مؤقتاً بإتجاه سائد في الحركة الشيوعية إلى حفظ البنية العامة للدولة القديمة وإتباع سبيل الإصلاحات الجزئية الإرتقائية في إخراجها بالحكمة (دون ثورة) من حالة التقدم في إنتاج التخلف، إتجاهاً عم ثلاثة أرباع العالم في النصف الأخير من القرن العشرين ولكنه زاد التخلف والتفاوت أكثر مما عالج، وهدد وحدة الدول أكثر مما حافظ عليها لعل ذلك من طبيعة قديمة في النظر. فكثيراً ما يتعامل الدارس مع المدروس أو الباحث مع المبحث بإعتباره ثابتاً وساكناً ولا ينظر إليه في تغيراته إلا قليل من الدارسين والبحاثة فكذلك كان النظر التقدمي إلى الرأسمالية في كثير من بلاد العالم الجديدة الإستقلال بين سنوات 1952 1982 تصورها حالةً ساكنة سلبية مستقرة في أوربا الغربية ومريكا ونسخها أو حتى حتى حالة (وطنية) ذات تعارض جذري مع المصالح الإمبريالية بينما هي بنتها!

كذلك يهتم هذا الكتاب في تأثيله ظروف إنتاج التخلف والتبعية بتوليد مجموعة من الإنتقادات إلى فهم تحقيق الأمن (القومي) بقهر مصالح الأغلبية الكادحة، حيث يتناول التأثيل بعض الأسس والآثار الموضوعية لتصاعد عملية رفض المظالم المحلية وأسسها وحالاتها خاصة وإن كثير من الكتابات والقراءات السائدة لا تتصور أن حرمان بعض الناس من حقوق الماء النظيف والكهرباء يمثل عنفاً، كما لا تتصور الكتابات والقراءات السيدة كمون العنف الرأسمالي في حرمان الكادحين من قيمة منصفة للعمل في الحياة أو في حرمانهم بنقص هذه القيمة من حقوق السكن والتعليم والعلاج والمواصلات، والبعض لا يتصور أن عناية الدولة بلغة أو بثقافة معينة يمثل تعدياً على حقوق اللغات والثقافات الأخرى لا في وجودها كنصوص بل في وجود البشر الحاملين لها.

فالمظالم الإجتماعية والقوى التي تعاني ويلاتها ليست سكونية الطبيعة بل هي جزء من حالة تاريخية متفاقمة تتطور فيها جدلاً أشكال القمع وأشكال المقاومات، إذ تنعقد القوى التي تتعرض لهذي المظالم بكافة أشكال النضال، ولكن إضافة إلى القمع السياسي والعسكري فكذلك سلطان الحكم يمارس قمعاً ثقافياً بعضه بإستغلال كيانات الدين والتعصب القبيلي وبعضه بإبتذال الفنون والرياضة، وبعضه بعرض عشوائي لمظاهر من الطبيعة وكلها قمعيات تزيد بالتضليل الإعلامي الذي يدغم في الأذهان كيان الشعب والوطن في كيان الحكومة، كما يغبش وعي الناس بطبيعة الأزمة بفتله طبيعة دينية أو عرقية للنزاعات الإقتصادية الإجتماعية فكذلك في قيام سلطان الحكم بدغم كيان الوطن في شخصية الرئيس، ولا تتأن قوى الإحتكارات الدولية من تخديم هذا الوضع للكسب المادي والمعنوي على حساب الكيانات الوطنية وشعوبها.

ولكن التأثيل إذ ينظر في جدل عناصر المقاومة الشعبية الدقيقة يفترض أن إضطراد المظالم الإقليمية قد يفتت كيانات الدول مخلاً ما فيها من توازنات ومصالح دولية راجاً ومزلزلاً حالة "الإستقرار العالمي" (= الإسم الإعلامي لسيطرة الإستغلال والهيمنة الإمبريالية على دول العالم) فقوى النضال ضد المظالم الإقليمية وحالات الإستعمار الداخلي يجترح بعضها من نيران القمع قوة أشد زكاءاً وبأساً في أسلوب تغييرها للواقع المحلي والدولي.

وبين هذه المقاومة وتلك السيطرة يؤثل الكتاب دور بعض مؤسسات المعرفة التي تسيطر عليها الشركات وعقلية الربح في تشكيل الأوضاع والثقافات بأسلوب تغييبها أو عنايتها ببعض حقائق جزئية في فلسفات وعلوم التاريخ والإقتصاد والسياسة والإجتماع والنفس وتوجيه السلوك البشري بصورة تتواشج ومعايير تمويل هذه المؤسسات وطبيعة الأطراف المتاجرة ببحوثها. فبفعل سيطرة رؤوس الأموال على مؤسسات العلم والمعرفة وتحويلها إيها إلى مؤسسات تجارية تتحور مهمات هذه المؤسسات المستلبة من المساعدة على المعرفة إلى التجهيل.

كذلك بسيطرة رأس المال على مؤسسات الإعلام، فإن أخلاق الإعلام تتحور من حال تعريف للناس بالعلوم والأوضاع والأحداث المرتبطة بها ومساعدة الذهن في بناء تكوين متناسق إجتماعياً للوجدان والعقل والوعي مشرق بالحرية والتقدم والجمال، وتنقلب إلى مؤسسة سوقية تمارس التضليل العام والتلاعب التجاري بالعقول والمشاعر والحقوق. إزاء هذا الوضع المأسآة يحاول الكتاب تأثيل بعض ما يذيعه الإعلام المرسمل، كاشفاً ركوزه إلى تقديم أنواع محددة من تعارضات الوجود والعمل والوعي والوجدان بتخديم شذرات خُلب من أدب السياسة واللغة وبفقرات متباعدة من الفنون السبعة، يحشوها بأنواع عنف وجريمة وإبتذال مكرراًعرض هذه الأقانيم المشوهة للتفكير والملوثة لقيم التقدم الإجتماعي المتناسق مغبشاً المعارف والأذهان بعروضه الملوثة لها وتكراره إياها مشكلاً صوراً ذهنية خطأ عن الوجود .

كذلك يلاحظ التأثيل في الرسائل الأصيلة والجانبية التي تبثها مؤسسات الإعلام والمعرفة في هيئاتها الحكومية الرأسمالية أو السوقية الصرفة وجود تكييفات مألوفة لهذه التعارضات لا تخرج عن أقانيم معينة يتبناها رأس المال في الحياة، كتصويره حالات الحروب الشعبية في العالم الثالث حالة ناتجة من جهالة في الناس وطبيعة فيهم ، أو نتيجة من إنعدام حرية السوق الذي تسيطر عليه الإمبريالية! وعلامة العجب خاتمة ما سبق لأن المشتهر من عروض الإعلام الإمبريالي لحروب دوله في طول العالم وعرضه إنه لا يتناولها بطبيعتها كنتيجة من نتائج إطلاق السوق وقواها لنزعات الإستئثـار وتحكم الأقلية الرأسمالية في حياة دول أوربا وأمريكا ونسخهما وصب الإفقار والغبن على الدول المجاورة وعلى الأقليات في المجتمع. إضافة لإعتبار الإعلام المرسمل أن معظم الحروب التي يؤججها في العالم هي نتيجة تقليدية لهوية عنصرية عرقية ثابتة أو دينية راسخة تتسم مرضياً برفض الآخرين وبالطابع الدموي لحل نزاعاتها، دون مقاربته العوامل الدولية والطبقية في توزيع السلطة والثروة التي تحيط بالمجتمعات وحروبها.

ومن تواشج هذه التأثيلات يحاول الكتاب تأثيل الوجهات الدينية الحديثة التي هي نقطة معاصرة بأصولياتها لمسيرة تفكير أو حتى لا تفكير في الذات والوجود، أكتنفت العالم آلاف السنين مذ كانت موائل معيشة الناس في نظم العبودية والإقطاع قائمة على تعدينات وزراعة وحرف بسيطة، وحروب ومغانم وأعطيات، وأمطار وأنهار. فبتطور وإرتقاء أسلوب الناس في العيش وكسب ضرورات حياتهم أصبح لابد من وجود نظرة تاريخية علمية وسلمية للتفكير الديني تأثل أقانيمه، وتنسق أشتاته بأدوات المعرفة التقريبية وعلومها الحديثة في التاريخ واللغة والقانون وعلم النفس وفلسفاتها الإجتماعية لتكر فيه القوى المستضعفة المستغلة والمهمشة البصر.

فأمة تبيت كالة من عمل يدها جديرة بكر البصر في هذا التفكير وأقانيمه وأشتاته طالما يحدوها راسخون في العلم بأحوالها وبأحوال هذه العلوم كل قرية ومدينة وبلد، فتكر بصرها في هذي الأقانيم متراوحة بين الإتباع والإبتداع، واللزوم والإصطفاء لبناء تقويم جمعي يبين مدى إرتباط حاضر الناس بمقاصد الدين ونواهجه الرأسية والأفقية في إزالة المظالم والطاغوت وإعمار الأرض وإستخلاف الإنسان بعقله الجماعي نظما فيها تقضي للناس حاجاتهم وتوفر لهم حقهم في السيطرة على مواردهم وإنتاجهم بصورة تتيح لهم تنظيم معاشهم وتحرر مجتمعاتهم من مربع الفقر والجهل والمرض، عاتقة الناس من عبادة المال تطفيفاً وتبخيساً وغررا ورِباً وتقتيراً وكنزاً وإسرافاً وتبذيراً وذلك بتحقيقها إشتراكهم في مقاليد السلطة والثروة إشتراكية علمية تؤسس إمكانات عادلة لإرتقاء المجتمع ككل بشكل متناسق يؤسس إمكانات عادلة للتنافس فيه بين الناس علماً وعملاً. فبهذا الطرح يتناول التأثيل عملية تحليل البيع وتحريم الربا بمنظور يتيح للكادحين المستضعفين البيع العادل لقوة عملهم لصالح مجتمعهم وكسر طاغوت الذين يدعون أنفسهم أرباباً، مما يتيح لجميع الناس السلم والإسلام من نظم الطاغوت ببغيها وعدوانها في جوانب الحياة السياسية الإقتصادية الإجتماعية والثقافية.

وإذ يكدح التأثيل إلى مقصده الأعلى فإنه يفرد من تشابهات الإديان ومن مائزاتها نهج يحاول في إتمامه مكارم الأخلاق العلمية والإرتقاءات الإجتماعية أن يكون نهجاً قرءآنياً في الإنتصار للحقيقة بالحق وللحق بالحقيقة بتشكيلة ترفض الفهوم التقليدية الظاهرية التي تكتم حق المستضعفين في الحرية من نظام السوق وتطفيفاته كما تخالف الدعاوي الباطنية والحرية الجوانية ببسطه المعاني والموارد والحقوق وبإمتيازه عنها بالوضوح الفلسفي والطبقي والقومي، وكذلك يسلم التأثيل نفسه من الوسطية الجامعة النقيضين في التفكير بدعوته الكادحين للوعي والثورة بفقه مسؤولية الإنسان في إعمار الأرض ومجتمعاتها.

في كلٍ يدعو التأثيل إلى عقد أحوال الدين بمصلحة عامة الناس لا بمصلحة أربابهم، وإلى إشراق الإنسان بإشاعة البشر الخيرات المادية والثقافية لمجتمعاتهم، دعوة نظر وتأمل لتقويم العمل و"العقل" معاً بقيمة الصلاح لا في النصوص المقدسة بل في خضم الحياة الواقعية لإنتاج ضرورات العيش حيث تتحقق مهام الإعمار والإحسان بين الناس.

تأثيل الكتاب أحوال الدين والتدين في واقع الصراع الطبقي لا يدانى إلا أوليات إجتماعية يمكن بجهد معين أن تدعم تأويلات العدل الإجتماعي في الأديان، إذ ترتقي بواسطة التفكير الثوري الشيوعي بحالة الدعوات الإيمانية المعاصرة تخرجها من ظلمات الإنبهام السياسي والإنكفاء والعزلة والإكتهاف والإتباع المغشي والإنقلابية الأموية-المودودية والإنغلاقية الطالبانية، إلى مجالات أفسح وأحوال أرقى. فالتأثيل يزعم لنفسه في مجال الفكر مدينة فكرية للخير والجمال تخرج كثير من التفكير الديني من ظلامات فرقه إلى نور المعرفة الموضوعية بالتاريخ الطبيعي لتشكل المجتمعات وحاجاتها، وسعيها وتقدمها لتلبية هذه الحاجات، وتباينها قوة وحيلة وإلفة إلى طبقات ثلاث، إمازة أعلاها ربوبية إمتلاكها موارد معيشة أدناها، بينما ترحى وسطاها نفاقاً بين الطبقتين بينما تبيت الطبقة الكادحة في المجتمعات كالة من عمل يدها، فبمثل هذه المعرفة المادية التاريخية يكف وضع الدولة والدين عن التطابق المزري بهما وعن النشاط في قمع الناس وإستغلالهم و إستلاب وعيهم. فلا يصلح أمر الأمة من الدين إلا بما صلح بها أولها من إسلام من طاغوت دولة المال بين الأغنياء.

وبنسق هذا التأثيل يتناول الكتاب حتمية خروج المجتمعات بالمعرفة الثورية إلى الدين القيم في تحرير الناس من الجوع وإيمانهم من الخوف. مما يلزم لتحقيقه تنظيم إقتصادي-سياسي لنشاطات الناس وفقاً لقدراتهم وحاجاتهم وتخطيط عقلاني لتنمية أوضاعهم وكياناتهم بشكل متناسق عدو بطبيعته الحرية للطاغوت.

وفي تحديث قليل لعلم الكلام وفقه الكتابة يؤثل التأثيل نفسه: فإنبساط أسلوب هذا الكتاب فتحاً للتأثيل وشرحاً لقيمه بما فيه من ضبط أو تفكيك تاريخي- طبقي ولغوي وأدب للفهوم والمعاني عمل مخطط بكروية ذاته لتثوير الكلام والمعنى ضد سمة الخط المفرد لعملية الكتابة السائدة ونصوصها البدوية والإقطاعية والبرجوازية وسكوتها عن مأسآة الضد وأفراحه. فيقوم التأثيل بحد كلماته وإصطلاحاته وبإزهار المعاني المضمرة والمقموعة بالنص التقليدي التكرار للسيادة الطبقية، أو بإنبهام أصوله الفلسفية، أو للظروف المحيطة بتشكله وتلقيه وتأثرها بالقمع التقليدي.

كذلك يجيء التأثيل في وقت ضاقت فيه أعمال "العلم" المتسعة بإنحصاره بعد معرفة الأوليات في إيضاح المعاني وإزاحتها حتى إنتهى في بعض موضوعاته إلى درجة الأزمة بدرجة القول بانه أمام كل دراسة جامعية (مع) توجد دراسة (ضد) في كل مجال معين مواشجة لإضطراد إنتاج النصوص في قوالب وبنى مأزومة بسلطةً أحادها علامة إشارة رمزاً سياقاً لفظاً لساناً حياثاً كلاماً علامةً نسقاً تناصاً لغةً منطقاً أسلوباً ثقافةً بلاغةً خطاباً تثبيتاً وإزاحةً فهماً وإطفاءاً أو مأزومة بتناقضات تنوعها.

لذا كان إجتراح التأثيل معاينة جديدة إلى الحياة الذهنية وفق جدلية النظر والتأمل والحضور المادي يقوم نظرها إلى تأريخ بعض الفهوم والأوضاع العامة في الكيان الطبقي منها على العناية بإجتماعياتها الثقافية بينما في جانبها الثقافي الإجتماعي والأناسي يعتني التأثيل بجانب من الظروف والأحوال الطبقية التاريخية المحيطة والمنعقدة بها وبـقواها ومضامينها المعلنة وأشكالها. أما في جانب التأمل فيتجه التأثيل لأسس وأشكال النظر ونتائجه بصور تركز على جدل الظروف الإجتماعية التاريخية لتشكل العلامات الرئيسة في الحياة والتعبير وصيرورة تحورها من فواتح إلى محددات ذهنية للنسق العام للتفكير وبعض الاجزاء والمناطق الخاصة فيه.

تقلب ذهن التأثيل وتفكيره في الأوليات وأطوار وتواريخ تنوع المواضيع والأفكار والأساليب وإيلاء وجهه شطر جانب أولي شيوعي السمة من عملية الإزاحات يمكن عده في مجال فلسفة الأفكار وفلسفة العلوم قفزاً بعمود الشيوعية على حواجز "الزمان" و"الموضوع" وسلطات المنع من الصرف المشكلة لها، التي تحدد وتنمط عملية "العقل" وتخلده في شكل تنظيم للقديم وسير في سياقه إلى أفق جديد هو القديم نفسه في شكل جديد، فكانت سيرورة تكون "العقل" مما جزأ إرتقاءات الذهن وفصم معارفه -حتى عن الحالة السودانية النوبية الأولى لإجتماع التأمل والنظر- محولة إياه بصورة وئيدة من عقل إلى قلعة أو بتعبير أدق إلى قلاع نسبية.

وإذ نشأت من عملية تكون النظر بالسمع والعين والفؤاد أشكال من التفكير والفهم وتنوعت المعارف وتشتت في الأذهان بحواجز "الموضوع" و"الزمان" في خضم محاولة الناس ترتيب "الأوليات" وتنظيم المعارف خلال الإستعباد الأول قبل إرتقاء بعض الأذهان مرحلة أرقى لتصنيف الكائنات والمعارف وتقنيم الكتابة وتسطيرها بمعرفة "الصور" وأولياتها وأبعادها مواضيعاً منفصلة، فلعل لميسم هذا الجدل التاريخي لإرتقاء الذهن وخلقه أنواعاً وأطواراً من التفكير تمتاز في الثقافة السائدة الكتابات المتنوعات بجدل نظري-تعبيري وإطار واحد إذ في لحمتها وسداها تُبدي للتفكير الصلاة الوسطى لما في التنوع من كليات وما في الكليات من تنوع.

لذا فإن بعض التفرد في الكتب المقدسة قد يكون من تواشجها مع التكوين التأولي للذهن قبل سنوات ألوف: إذ يبقى تنوع النصوص القدسية الكبرى موضوعاتها وأساليبها وأنساقها وكلامها وصورها وإرمازاتها وإشاراتها وفهمها وتميز القرءآن الكريم بهذا الأسلوب وتكراره يبقى -رغم إنتقاد الرازي له- أمراً متصلاً بتفوق الرؤية الكلية الجمعة الجامعة على نمط التناول الواحدي وتراتبيته الخطية المفتِتة مثلما يظهر من مخالفة النصوص القدسية تسلسل القص التقليدي الرتيب من مقدمة إلى مشكلة وحل.

ولكن رغم علو الكتابات الكبرى زاد في الحياة تجزء النظر والتفكير والتعبير بفعل ثبات المضمون القمعي والإستهلاكي للسلطة الطبقية عبر التاريخ، حتى بعد الإرتقاء الوئيد لمناطقها من حالة معرفة الأوليات إلى حال معرفة العناصر وإتصالها ككل بثورة التضافر الجدلي للفلسفة العلمية في كيانها المادي التاريخي وتحييثه أوضاع وعلوم الإقتصاد والإجتماع والسياسة والحقوق وعلوم النفس والذهن واللغة وإعتبار المجتمع بها جزءاً من الطبيعة بالإمكان تحديد عناصره وعلاقاتها وحسابها وتحديد تناقضاتها وأزماتها وأن بالإمكان علاجه منها بممارسة التغيير في نظم عمله وفهمه.

ففي هذه أو تلك المرحلة لإنتقال الأذهان من حالة تحديد المبهمات ومعرفة أوليات الأشياء إلى حالة تحديد العناصر والفهوم والمعاني تفاقم التباعد بين التفكير العام و"العلم" حيث سلطةًًً صار العلم أقرب إلى الكهانة وضده صار "البيان" سحراً بما فيه من منطق وحرية لها جمالياتها أو أخطاءها وأضحت الثقافة في التصو(يـ)ر السائد نزهاً ذهنية أو صعلكة فكرية! ولاغرابة في ذا إذ كان إنتاجهم الموسوي يتم في أطر فرعونية طاغية قامعة ميتة بالإستلاب وبالإستهلاك لا تأمل فيها ولا نظر.




من حالة التناقضات الموصوفة أعلاه تولدت محاولة بناء التأثيل وبناء كتابته حرية من القمع المضمر في نمط الخط الواحد في الكتابة الذي تشكل منذ عصور الإستعباد، ومن هنا يقنع التأثيل في عدد من جوانبه بمجرد الإشارة أو حتى اللمح إلى بعض مواضيع ووجهات نظر تكرر في العالم عرضها بأساليب نمطية تقليدية ذات بنى تراتبية إستعبادية وإقطاعية بما فيها من "مبادئي" تمثل دور السيد المالك بينما تعادل "اللغة" مقام "الأراضي والمعامل" وتبقى "الرعية والعمال" ومعاملاتهم كيانات لأشكال النصوص يهيئها منطق المالك ويكيفها بخطاب آمر ونظام يحقق خضوع الناس لأمره ونظامه. ويبقى أهل النظر وأهل العمل في تلقيهم ذلك الخطاب عناصراً سلبية مجرد موزعين صغار أو مستهلكين لأفكار السلف الديني أو العلماني ونظرته إلى الحياة وتامله فيها وتأويله عملياتها. وحتى إن تهيأت لهم في العصر الحديث البلاغة والكتابة والخطاب سَوق كلمات بأساليب العلم والتحديث فبصفتها الظاهرية القديمة لا بجدة في مضمونها، حداثتها كقديمها بتجاوزهما فقط عهود الصيد والإلتقاط الفكري العشواء ، فالكتابة الحاضرة تكرار لعمليات تدجين وزراعة المادة الحية (= المعرفة) ورعايتها لمجرد إستهلاكها بصورة بدائية في مستوى متدرج يهبط كتابة من إنفتاح الرشد إلى نمط العقلانية إلى بلادة العادة! تخلفاً.


لمقاومة هذا التخلف يحضر التأثيل كضوء الشمس آلة وعملاً ضد ظلام هذا التدرج في علاقات النظر والتأمل والفكر والعمل وإرتقاءاً ضد تدهور حالات الجدل والإرتقاء في تكوينات المجتمع والثقافة وتاريخها وتشكل كينونات فهمها وعملها. فللسلامة من أذى دورة إستهلاك العقل وإلقاء أياديه في تهلكة التفكير الظاهري الجزئي في أوليات وفي عناصر وعلاقات وفهوم وفي معاني الحياة، تفكيراً محكوماً بدورة طولية من الأرض إلى السماء إلى الأرض وبدورة أفقية لعلاقات العناصر ببعضها، تكرر التراتبات القديمة، أضحت هناك ضرورة لخروج جمعي منظم من تهلكة هاتين الدورتين وجدلهما المؤدي إلى الهمجية، يقوم التأثيل ككيان جديد لحال ما بعد الوعي كادحاً إلى كشف بدايات طرق هذا الخروج ومسالكه.

ولإن كان إختلاف التاريخ والفهم يوجب إختلاف التعبير، فإن النهج الضوئي للتأثيل يختلف كتابةً عن الكتابة الناهجة أسلوب الشعاع الخطي المستقيم الطولي الذي تتالي فيه المواضيع يلد أولها ثانيها الآخر, كما يختلف التاثيل عن أسلوب الشعاع الخطي الأفقي المتناول بعض من ظروف كل كيان وما يشبه وما يختلف عنه وعلاقتهم البينية بإتاحته نظراً وفهماً وبلاغة إمكاناً إجمالياً لمقاربة موضوعات شتى من زوايا مختلفة في آن معين يجمعها كتلة متنوعة الأبعاد من النظر والتأمل والدرس والتأويل والتداول والنقاش والتقويم الشمولي . وطبيعة فإن لهذا الحال مساوئه وفيه مزيات عددا.


الكينونة الأساس لهذا الخروج الموسوي من الفرعونية إلى الحرية هي قيام التأثيل شكلاً وفعلاً في آن ببداية تغيير في حالة المعرفة وكينونتها في الثقافة والكتابة السائدة إلى حال جديد يحضر كيانه كتجميع وتوجيه جملة عناصر وعلاقات وطبيعة تبلور كتلة وإتجاهات في حركة "المعرفة" وفي حركة الحياة "الإجتماعية" معاً بصيغة "ماهية العمليات؟" أو ماهي العمليات؟ ويحقق التأثيل هذه الصيغة التجميعية التوجيهية لخبرات وأعمال الذهن نجمة ثورية تعلن بداية مرحلة إنتقالية في التاريخ من حالة الأسئلة التاريخية عن طبيعة العناصروالعلاقات إلى حالة الأسئلة ذلت الطبيعة العملية التي تشارف المستقبل من تأثيلها عملية الحاضر وتاريخه.

هذا الإنتقال الثورة يبدأه التأثيل وئيداً بتناوله تاريخ وثقافة بعض الإصطلاحات والموضوعات العامة ووشائج أسئلة العنصر والعلاقة والتاريخ بالمجتمع التراتبي منتقلاً من بيان طبيعة سيرها بداية من أولاتها وجدليات نظرها وتأويلها وطبيعة إنفتاحاتها إلى تمحيص مآلاتها السائدة وإلى تعيين السمة العامة لمآلاتها القادمة.

وجدل الثورة والتؤدة في هذا الطرح مواشج للإنتقال من حالة جزئية وخطية سؤآل العنصر وتاريخه، ومن سوآل الجدل والكيفية التي تتشكل بها كيانات الحياة والتفكير إلى مجرة الإجابات عن سؤآل التغيير والبناء الإجتماعي.

ويحقق التأثيل هذا الإنتقال بتنظيم شمولي، شموسي، لعملية تكوين وإدارة كتل ثقافية وذهنية متضافرة تمارس وتغير الطبيعة الجزئية والإتجاهات المشتتة لعملية البناء العامStrategy الماثلة في إختلافات شتى في التيارات الفكرية. فمن حالة تراكم إنفتاحاتها الجزئية القديمة الحاضرة المواشجة تراتبية المجتمع يغيرها طفرةً إلى حال مستقبلي هو "ما بعد الوعي" يجترحه التأثيل ويقترحه ثورة بفتح تكوينات المعارف والحياة على بعضها بصورة لا تراتبية إشتراكية علمية لتأثيل قوى وعلاقات الإنتاج وخبراته ومعارفه وعلومه وفلسفاته النمطية والجمالية التعبير ووعيهم في صيغة ثقافية جديدة للتفكير الجدلي تطورت من أطر التعريفات الأولى للعمل والإقتصاد والطبقة والمجتمع وعلاقاتهم ، وإرتقت إلى محاولة تشكيل بناء جديد للذهن كآلة جديدة ضوئية لإنتاج وتنظيم المفاهيم المستقبلية من وعي التاريخ والحاضر، فالذهن هو جهاز المستقبل لا "العقل" الذي يعتبره التأثيل مجرد برنامج حساب وإقتصاد قديم لتقليل النفقات وتحديد الإضرار وتعظيم الكسب والمنافع ساد الألفية الماضية وإنتهت كثير من صلاحياته بإنجاز الإنسان معرفة الأمور الرئيسة في الطبيعة وفي طبيعته الإجتماعية وفي وجوده المفرد ضمنها.

الجدة في صيغة تواشج "التأثيل" و"ما بعد الوعي" جدة تضاد تطفيف ميزان الثقافة السائدة في الأذهان سواء كان ذلك التطفيف بالتفكير الديني أو بالتفكير الفلسفي أو بالأنُساق السياسية "الليبرالية" أو "الإشتراكية" وهو التطفيف الذي ينشأ (عقلاً) لإنفصام التصورات الفلسفية والعلمية والعملية بين نوعي نظر وفهم:
1- النظر والفهم الظواهري الرؤيوي المنبجس من الخبرة النفسية،
2- النظر والفهم الجدلي المُنظوم المتكون بدرس مكونات الأشياء وطبيعة حركتها.

فالثقافة والمعرفة السائدة تكونت بكتابة ناهجة حافظة محافظة تُؤثِر جانباً واحداً من النظرين والفهمين هو جانب الدرس والتعلم المثبت للأصول تفيده بصيغتين هما : 1- صيغة تحييز عناصر وعلاقات الموضوع وحدوده الآنية، و
2- صيغة تاريخ وتزمين تتال أطوار حركية عناصره وكتلته في ظروف مختلفة.
والتطفيف في النظر خبرةً أو بالدرس، وفي العمل الفكري تحييزاً أو تزميناً يقوم بمواضعة العناصر والعلاقات والتزمين وجملة الموضوع ضمن نسق مُظهر أو مثبت لـ"تقنية" أو "فلسفة" التراتب الإجتماعي - الذهني القديم المحتفي بفرادة الشخص ضمن ربوبيته المستهلكة للطبيعة إلتهاءاً بالتكاثر، لا ضمن إجتماعيته وإنسانيته المتواضعة المتفردة ذهنية عن بقية الكائنات بالرؤية المستقبلية.

فبأطر التعليم الأولي التي تئد قيم التربية الإسلامية الإجتماعية الإنسانية وتحيي نهج التعليم المكرس فردية التكاثر والإستهلاك اللانهائي تقوم الكتابة النهجية السائدة بحبس كينونات النظر والتفكير عن آليات عملية الإرتقاء الإجتماعي الإنساني للذهن وتشكيلاته تقاتل بهذا الحبس والتطفيف إسلامهما ثقافة إشتراكية تكرس إجتماعية وإنسانية تطور الوجود البشري وإرتقاءه من الطغيان والإستهلاك إلى الحياة.

ولكن أيمنع ذلك تشكيل التأثيل تطفيفاً آخر بين "الإنسان" و"الفرعون"؟

الجواب على هذا السؤآل هو: نعم. لأن كينونة التأثيل بإلغائها مشروعية الميزان الفردي في النظر والتفكير وتأويلهما وأعمالهما تلغي أساس عملية التطفيف وأداتها.

فإذ يتبلور التطفيف الإنحباس بقيام مناهج النظر والتأمل في عملية التعليم وفي عملية الإعلام وبالتالي في عملية المعرفة بتقييد تزمين الموضوع وتحديد عناصره وعلاقاته، فبتعطيل كينونة الإجتراح في التفكير وتسبيب عملية القصر والحصر إطفاء حيوية الذهن والفكر، برؤيتها الإنسان طبقية وربوبية مجرد مستهلك للطبيعة والوجود الإجتماعي تعلمه السيطرة والإستغلال بممارسة التطفيف وبحصرها في تراتب طبقي عملية إمتلاك موارد ووسائل المعرفة بصورة تتحدد بها طبيعة تقسيم النظر والتأمل والتأويل والصياغة وكيفية تلقي ثمراته بصورة فردية إستهلاكية يغل بها التطفيف حركة الذهن والتفكير ونتيجته، مما علق عليه قديماً بعض اليونان حين سئلوا رأيهم في تعليم الكتابة؟ فأجابوا: بأنها تعطل ملكة الفكر!

فعبارة التأثيل وإرتسام علاماته ونسق نظره وتأويله وخطابه نقيض للكتابة المألوفة في مختلف مراحل نظام الطبقات وتربب بعض الناس على بعضهم، وضمن ذا النقض يهدم التأثيل بآلة الديالكتيك أصنام الأصول الباطنية لكتابات "النهضة" و"التنوير" و"الحداثة" وبعض ما بعدها أي الفهوم التراتبية التي تستهلك بقبح الطبيعة الخام والوجود الإجتماعي والمستقبل الإنساني إضافة إلى إستهلاكها القيم والمعارف الإنسانية.

ويحقق التأثيل هدمه طبقية وعنصرية وأنانية الثقافة والمعرفة السائدة وطاغوتها برفضه جزئية النظر والتأمل الخطي مهاجراً منه إلى أسلوب شموسي مجرة للمعرفة شمولي يبدأ بتأثيل بعض إصطلاحات المعرفة السائدة وتأويلاتها وتحييثاتها.

تأثيل بعض إصطلاحات المعرفة السائدة يترافق مع إجتراح التأثيل تكوين صيغة مادية تاريخية ذات جدل فني وجمالي لرسم عناصر وأحوال "التخاطب" و"التواصل" و"العمل" تتطور إرتقاءاً بالجدل بين مكوناتها الأولية: "الكيان" و"العناصر" و"العملية الجدلية" الجامعة لهم وبين ظروف وتصورات كتلة الزمان المقسومة الآن إلى صيغتي "التاريخ" و"المستقبل" وهما كينونة واحدة، وبذا يستوي التأثيل بالقديم حداثة جديدة ومعاصرة أصيلة ضد فهوم الكتابة السائدة وأسلوبها الظاهري والتجزئي المضمر إستعباد وإقطاع ورسملة "العقل" وإخضاعه حياة البشر.

لذا قد يمكن القول أن التأثيل يمثل إلى حد ما ثورة شيوعية في النظر والفهم والعمل الثقافي بأبعاده التي تكونت بدرس تناقضات الإجتماع والفلسفة والعلم والتاريخ والكلام والفعل في كينونة الإعلام السائد وثقافته وتبلورها إقطاعاً ورأسمالية بأسلوب إخضاعي قامت التكوينات الحديثة لرأس المال وتقسيمه الشديد للعمل والمواضعات والقيم المعرفية بإكسابه قيمة مضاعفة في تشتيت تناسق الفكر الإنساني في كل فرد، حتى صار التفكير البناء والعلم التقني والسياسي كله دولة بين الأغنياء تجسدها بنوك معرفة تقدم الدراسات بمعايير الطلب والعرض والثمن والمستوى العام للتمويل في السوق.

وإضافة إلى ما سبق فالتأثيل مضاد لقيام أسلوب الإخضاع الذهني السائد بتجزئة عناصر النظر والتفكير ولقمعه إياها بشتيت المعارف في علوم مغلقة في أوليات وفلسفات مغلقة في معان وفي آفاق مغلقة في صناديق الإذاعات وقصاصات الصحف، مؤسساً في الذهن -ضمن هذه التفرقة والتشتيت- حدوداً وتباينات في إدراك الأوليات، وفي معرفة الفهوم والأعمال والأوضاع الإجتماعية، وفي تكريس الثقافة والعقل مستقبلاً بوجه إلى الوراء نظره يفتش عن نقاط أصولية معينة فيه.


التأثيل يهدم في "العقل" سجن الذهن ويهدم في الذهن سجن "العقل" وهدم العقل هو المقصود أولاً وآخراً لأنه ذهناً زلف التفكير للحقيقة أو للحق وحريته بينما عقله مستعبد أو مقطوع بحاجات السيادة والسلطان، فيهدم التأثيل أسس الحالة القديمة الحاضرة لإستعباد وإقطاع الفكر والنظر بكسره الحدود والمباينات المسماة "عقلاً" التي تشل حيوية عناصر تقدم الإجتماع البشري وتشوه إتساقها في الذهن: ويقوم التأثيل بهذا الكسر بتحريره الإنتاج الذهني لهذه العناصر الفكرية من حالة اليبس والجفاف والتكلس الناتجة من:
1- حبس الذهن بأولات فلسفة "العقل" (= الطبيعة وتصوراتها وآليات معرفتها)
2- تراوح آليات الإخضاع بين الخطية وألعاب الكلام
3- إعتقال عناصر التفكير في غرف مغلقة، وخزن محركاته الذهنية.

وينتج التأثيل حرية الذهن بصيغة تفكير تتسق أولياته وآلاته مع إشباع الناس إشباعاً منسقاً لمعرفة وتلبية الحاجات المادية والثقافية الضرورة لإسلام حياتهم من الجوع والخوف. في ذا فإن تأثيل أسلوب التأثيل كبنية في أسس الكلام وبنية في معانيه في آن واحد، موصول بجدل وتشاكل كثيف بين وقائع محددة، بعضها ظاهر بأشكال إصطلاحية في الحياة والتاريخ والفلسفة والعلم والأدب والفن وبعضها مضمر بالتحديدات وبالبراحات التي تتيحها هذه الوقائع من الجدل وفي الجدل بين بعض من تشكلات: 1- "النظر" و"الموضوع" و"الذهن" و"السياق" و"الظروف" و"النسق" و"الخطاب" و"التاريخ"، و -2 - الجدل بين كل من تقدم التفكير وواحدة من طبيعتين -جدليتين أيضاً- هما إما: (أ) طبيعة الوعي الزيف أو (ب) طبيعة زيادة الوعي الطبقي والإنساني، الذي يولد منهما في مستوى الثقافة السائد في أقصى إرتقاءاته الإجتماعية السياسية.

فالتأثيل يحاول جسر المسافة الفكرية-العملية بين أحوال النظرية وأحوال الحساب (التأمل) وأحوال العمل في صيغها الإجتماعية وما هو حاضر ماثل فينا من تناولات فكرية وأعمال سياسية وإجتماعية تشكل أنماط وأوضاع العيش والثقافة جسراً أفقيا ورأسيا يمكن تسميته ككل بـ: "ما بعد الوعي" Post-Consciousness. ونجوم إسراء ومعالم كينونات "ما بعد الوعي" تتشكل بدراسة وجود ومعاني الإصطلاحات العليا كإشارات Signs أو كمداخلInductions إلى الظاهرة في مفاهيم وفلسفات وعلوم وآداب وفنون المجتمعات وبنياتها المقسطة بآلية "العقل" في الذهن بنية تحتية وبنية فوقية وذلك بدراسة ضافرة لتاريخ جدل وجود ومعاني الإصطلاحات حيث تتشكل كينونة "التأثيل" بتخديم نوعين متواشجين من التحليل:
 التحليل الطبقي التاريخي للظروف الإقتصادية-الإجتماعية والثقافية السياسية المحيطة بالإنتاج الفكري عالمية ومحلية وطبيعة بثه وتلقيه في المجتمعات.

 تحليل بنيتي الوعي الثائر المزامن تشكل الإصطلاح ومعانيه وهما:
1- الوعي الثوري السائد ضد هذه الظروف
و2- الوعي الثوري المهمش بآليات التمركز.

وبرواج هذين التحليلين وإنتشارهما في دراسات الإصطلاحات يهدف التأثيل الى خروج الأوضاع الحياتية والمعان المرتبطة بالتقدم الإجتماعي المتناسق إلى مستوى تنظير مائز بتركيبه وبتفاعله مع:
1- عملية قيام أهل النظر والكتابة والحساب والفن بقسط النظم الحياتية ووضعهم إياها كموضوعات ونصوص وأعمال فنية وأدبية.
2- طبيعة إستواء أو تسوية هذه الموضوعات في متلقيها بـ(هيئة) كرة مجرة خلاف هيئة تسلسل الصور والأسماء في خط واحد مسيطر على أساليب التفكير القديمة بما فيها النمط الزعيم في التفكير المادي الجدلي والتاريخي بخطه المألوف لنقل التفكير من جدل الطبيعة والإقتصاد إلى جدل الطبقات إلى جدل الثورة والوعي وهو الخط الذي نشأ رغم صدق ثوريته في رحم التشكل المألوف للأفكار السياسية المعتادة.

فبذا يكون المصدر الأساس لقيمة التاثيل المضافة في الصراع الإجتماعي هو: إستكشافه الطبيعة الإجتماعية التاريخية لحالة تأسس عمليات التفكير والكتابة السياسية (بالمعنى الواسع للسياسة كتواصل وكنظم إجتماعي) تأسساً واشج قيام الإنسان قياماً ميثيولوجياً ودينياً بعملية قطع وجمع أولية للمعارف بأدوات محدودة تجعل بعض الناس دون بعضهم الآخر يحوزون نار التفكير السياسي (بالمعنى الشائع لكلمة سياسة كحالة للحكم) وينمون بها أيضاً أدوات صيد المجتمع والفكر معاً وزراعته وإستعباده وتذكيره فإقطاعه ورسملته وإستهلاكه.

وإضافة إلى تسلسلها فقد أكسبت الطبيعة الإتقائية أو ستهلاكية لحياة الناس عمليات التفكير والكتابة والإشتغالات النظرية إنفصامات وتباينات عددا منها الإنفصام والتمايز بين الطبيعة السياسية والنفعية التجارية المستهلكة تطور المجتمع والفكر وإرتقاءهما -من حالة اللامعنى والفوضى المشاعية الأولى التي كرسته- والطبيعة المعرفية والمضمون الحقيقي الذي توخته أصول الكتابة كعملية تأريخ وقائع محددة موضوعية وذاتية.

وقد تشاكل هذا التناقض بين ما كانت تعكسه الكتابات الأولى من بيئة ذهنية بدائية حرة قليلة التناقض في الوعي وما آلت إليه فيما بعد في عصورنا الطباعية الراهنة بنشوء راق وئيد لطابع نقيض لشكل الكتابة باللغة والحكاية بأساليب الرياضيات العقلية، والأدب، وبأشكال من الفنون، إذ بدأت هذه الأساليب في التعبير بصورة تجاوز نمطية اللغة والكتابة الحاكمة للتفكير والحاطمة له.






ينبه التأثيل إلى تشاكل الأصول والمعاني بسرده منها جدليات عددا في التاريخ القديم والحديث بداية بجدليات "التعدد" و "التوحيد" والهرمسية "الإدريسية" في السودان القديم قبل الصراع بين "آتون" و "آمون" وما تضمنه من نزاع بين سلطة العرفان وسلطة المعرفة وإلى تطور جدليات اليونان القديمة من "المادة ومكونات الطبيعة" و"طبيعة الإنسان" إلى أعمال أرسطو في تجديده تعيين وتصنيف التفكير السوداني القديم -مع تجميعه في مكتبة الإسكندرية- في "الطبيعة" و"الطبيعة العليا"، كذلك جدليات النبي أبراهيم مع أوضاع "الطبيعة" و"الآلهة" وجدليات "العمل والحرية" و"الحق" في الديانة الموسوية ضد الفرعنة، ثم جدل طبيعة "الكلمة" الإلهية وطبيعة "الوجود" البشري في المسيحية وجدل الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية في المانوية، وجدل أهل "الله" وأهل "الدهر" حتى الجانب الأول من الإسلام، ثم تتابع جدليات "كلمة حق أريد بها باطل" و"حمال أوجه" فجدليات أهل "العدل" عقلاً وأهل "النص" عياراً إلى جدل البيروني والفارابي حول فيزياء الفضاء وجغرافية الذرة كذلك جدل الفاربي بين طبيعة الوجود وطبيعة التفكير، وطبيعة السياسة، وصولاً إلى تعين إخوان الصفا في "شمولية العلم والمعرفة" حتى جدل "التجريد" و"الفلسفة" عند الغزالي مما إنتهى إلى إبن رشد وصولاً عبر موسى إبن ميمون والإدريسي وفرسان المعبد وفردريك العربي إلى أوربا الناهضة بجدل "اللاهوت والناسوت" ثم أوربا الإستنارة بجدل "الفكر وأصوله" و"الوجود والعلم".

مما سبق إرتقاء الجدل بواسطة ماركس وإنجلز ضد عزل جدل الفكر عن جدل الطبيعة الإجتماعية عن جدل الطبيعة، وصولاً إلى جدليات لينين ضد كاوتسكي وتواليها في جدليات ستالين ضد تروتسكي في تحديد طبيعة"المجتمع والطبقة" ثم طبيعة "الحزب والثورة" فـ"الدولة والاممية" و"الوطنية والقومية" و"الإمبريالية"، مما تبلور بشكل ثر في جدليات ماو الشيوعية والقوميين الكومنتانج حول موضوع "الإشتراكية والتقاليد القومية" وفي جدليات عبدالناصر "الإشتراكية القومية" ضد هيئات الإقطاع وضد ليبرالية التملك الأوربي الآسرة مجتمعات أفريقيا وآسيا.

كذلك يتناول التأثيل شيء من جدليات لوكاتش في"الوعي والوعي الطبقي" وج. ب. سارتر في "فرادة وفردية الوجود" و"طبقية تشكل وفرادة المعنى" مما دفع ضد بنيوية شتراوس الأنثربولوجية بجدليات ألتوسير "البنيوية" الشاملة بكل إشكالية حدودها ، كذلك الجدل داخل الأحزاب الشيوعية حول إعطاء الأهمية السياسية الأولى في التغييير لكينونة "الدولة" أولكينونة "المجتمع" برأي يقدر دور سلطة الدولة في تغيير المجتمعات ورفع حياة الناس ورأي يقدر إمكان تغلب الحركة الجماهيرية على حواجز الجهل والفقر والأوبئة وإفرازها بتراكم (طبيعي!) أو تلقائي! تحقق الدولة الوطنية الديمقراطية!، كذلك جاءت جدليات مهدي عامل الثورية في دور الطفرة والقفزة والثورة في تحوير التراكم ضد منطق تلقاء التراكم.

إضافة لتأثيل الفكر والتنظير فهناك تأثيل بعض الأعمال المشكِلة الوعي الحاضر منها ما إعتور ثورة إيران 1978 ضد الحكم الإقطاعي من جدل بين خط اليسار والشيوعيين المقترن بإتاحة وتوسيع وضمان الحريات العامة والنقابية لبناء كيان إيراني جديد المؤسسات والتنظيم، وخط المؤسسة الدينية الإسلامية بالوقوف في حدود تأميم ومصادرة الجزء الإقطاعي من أشكال النظام القديم و[إبقاء الكينونة الطبقية الرأسمالية للدولة وكيانها الطاغوتي الإقتصادي الإجتماعي] ومن لف لفهم. وكذا الجدل في لبنان وفي السودان وفي العراق بين رؤى الطائفية القائمة على رفض المغايرة العنصرية الهرمية المقدسة في جهة الوضع المنشود منها بطبيعة حزبية مدينية والتكريس الطائفي للسياسة بتقوقع الطائفة الدينية وتحكمها بشكل طاغ وظاهر في الأدوات الحزبية (المدينية) المطالبة بالليبرالية السياسية!

كذلك يمكن تلمس بعض تناظير الجدل الإجتماعي السياسي في كل من: نظرات جرامشي في "المجتمع المدني"، وجدل لوكاتش في "الوعي"، وجدل أوسكار لانغ في "الكتل"، وألتوسير في "البنيات والهياكل" وغيره من جدل التركيب والبناء.

كذلك جدل سمير أمين التفكيكي ضد المركزة في "القيمة والمادية التاريخية" و"النظام العالمي والإنفكاك منه قطعاً"، وهيبرماس في جدله المتنوع لحالتي "الإتصال [والعزل]"، وجدل اليهودية والفلسفة في الفلسفة المعاصرة، كذلك إدوار سعيد في "الثقافة والإمبريالية"، ونعوم شومسكي في جدل "الحقيقة والصورة"، وجدله وماكزيني ضد التنميط أوالتزييف الرأسمالي لـ "آليات العقل" كذلك ما بين التركيب والتفكيك، جاء جدل "الإشكالات" بين التحدد والإنفتاح للفنان البروفسور عبدالله بولا في إشتغاله ببعض إشكالات الفلسفة وبعض أصولها ومعانيها في كيانات الثقافة وعلاقاتها بـ(حقيقة) التراكيب الإجتماعية-السياسية السائدة.

وإضافة لهذه الموجبات النظرية العيانية فهناك فضل آخر لبعض الظواهر السالبة قاد أيضاً لأرض النظر والتأويل وإستواءات المعاني إلى التأثيل: ففي تلك النواهج الخطوط التي يشادها التأثيل قد يجد المرء صاحب مبدأ يبيع مبدأه بثمن بخس أو يتركه بعبثية إلى مبدأ نقيض أو إلى اللا إنتماء واللامبدأ واللا إلتزام .بيد أن فضل كبير في التنبيه لإمكانات التأثيل لا يرجع إلى المكتوب النمطي بل إلى بعض حالات الإمتناع عن الكتابة أو إجتراح كتابة موقف ضد بحبر النفس وممارسة الإنتحار البدني بقتل النفس أو الإنتحار المعنوي بقتل الذهن والتفكير الإبداعي وتفضيله على ممارسة تسميم أو إغتيال المعاني الجميلة أو المتاجرة بها وإستهلاكها مما بلوره الشموع الحلاج، مايكوفسكي، وأبوذكرى، والجنيد، وألتوسير، وخليل حاوي، وأروى صالح كذلك الإنتحارات المعنوية لبعض المتحولين وجعاً من (تراخي) "اليسار" إلى اليمين، فكلها إنتحارات على مأساوية حدوثها ومافيها من ألم الفجيعة أجد بعضها يمثل لألات من الجمال النقي لسؤدد القيمة الأدبية الرفيعة في تاريخ المجتمعات وفي تاريخ الأدب والفكر الثائر حيث يمثل الإنتحار علامة صدق نبيل ضد حالة ما لإمتهان ذهنيات وقيم حرية وكرامة الإنسان من قبل بعض الزاعمين النضال إلى تحقيقها.

ولكن هل يقيم الإنتحار الفردي الموصول بقضايا الثقافة والأدب قضية؟ أم إن إنتحار المثقف مجرد تنبيه إلى أزمة كبرى تولدت بين المبدأ والمعنى والممارسة سواء في إطارهم الجمعي وحتى الإجتماعي أو في إطار قراءة المثقف لهم وتصوره طبيعة تشكلهم جهة آمال أو جهة آلام المجتمع في الحياة؟ لعل محاولة الإجابة ترتبط بحساب المسافة بين "الشفاف" و"تنوع صور الأشياء في التفكير" لكني أجتهد بالتأثيل في كسر الأسوار المانعة من تفاعلهما في رؤى نظرية فكرية متفاعلة.

فمن قصة إختيار الحلاج شهود الحق على مشاهدة الحقيقة وإنتحار مايكوفسكي في الجدل الدامي بين "اليهودية السياسية" و"الشيوعية" في روسيا عشرينات القرن العشرين ثم زيادة "الإنفتاح" الرأسمالي مربع التهميش بحرية السوق وبالبترودولار وبالديون الدولية وبالعولمة نتيجة لمواشجته اليهودية السياسية والصليبية السياسية والإسلام السياسي في النشاط ضد التقدم والشيوعية في ثمانينيات وتسعينات القرن العشرين تأسيساً لما سماه الرئيس الأسبق جورج بوش الأب في 11 سبتمبر 1991 "النظام العالمي الجديد" بداية بتقطيع يوغسلافيا وخنق العراق وفرض حرية التملك الأجنبي في الدول المستضعفة والتجارة بموارد حياة مجتمعاتها وما تبع ذلك التقطيع والخنق والبيع من إنقلاب كثير من الكُتاب والكتابات والأحزاب من حال التقدم إلى حال التراجع والخضوع والقبول بالإستعمار الحديث تحت رايات تشجيع الإستثمار وقبول "العولمة" وفوائد الليبرالية ... إلخ، تنبهت أكثر لتقلب أحوال الدنيا والناس، ولجلال التنبيهات التي أوقدها المنتحرين في خضم الصراع بين الديكتاتورية والإنتهازية وحسهم بعبث الإنسياق في منظومة تآكل وإفناء تلتهم -بغلواء بعض الذوات وأناها في محافل العطاء- قدرة الإنسان الشفيف على السمع والبصر والكلام.

وقد كان تأسي المعلمين الأنوار الذين صادفتهم في حياتي على إبداع مثل هؤلاء تأسياً موضوعياً يتقد كإنعكاس القمر في مياه النيل حباً ونقاء لإيماض المنتحرين الأبرار بحٌجب الإكتئاب وغيومه الأذى عن ضراوة أسبابه الموضوعية في دنيا المال والسلطة ومأزقتها خيارات العقل، وغرها أو دحرها بذلك رفاق أو أصدقاء ومبادئي. فكان إتجاه "التاثيل" إلى إسلام "العقل" وجماهيره الدينية والعلمانية بـكيان "ما بعد الوعي" موصولاً إلى حد بأثر من فجائع المثقفين في دنيا عشقهم ونضالهم وصداقاتهم، وإرهابهم أعداء الوفاء وجمال الحقيقة بقيامهم الصادق بترك الحياة إبقاءاً لحياة المبدأ وإخلاصاً وعشقاً لحُبهِ بمهر من الدم الصاف أو الصمت النهائي الإحتجاج وبخفق الشعور النابض بمعان القيامة البشرية إلى رواء الحياة الجديدة القادمة ونثر أريجها وسطوع أوناهيدها.





في تأثيل "الإنتحار" فعلاً للتحذير مكتوب بحياة إنسان، وشكلاً ذاتياً نهائياً للرفض والمقاومة، وجدته موقفاً صعباً عصيباً مشوش القيمة في "المجتمع" إذ يختلف نظر الناس إليه حسب إمكاناتهم في تقدير موجباته على مستوى الفهم والإنتظام الإجتماعي لكن من تناوله كقضية ثقافية ومن أزمة مفاضلة المثقف الكاتب ين حاجاته وحاجات مجتمعه يظهر مأزق الكُتاب والكتابة في عالم ملوث مأزوم، حبرها في سيله وفي إنقطاعه من دماء وعرق الكادحين، خطوطها نار الحروب، حروفها معارك، فواصلها أََسر وسجون، سماءاتها إبهام، وأراضيها ممالك من وذهب وفضة أو من فقر وضربنار، ومن ويل الكتابة ولعنات حرفة الأدب كمقاومة ضد الضلال ضربت أكثر في أرض المعرفة في جدل الكتب والصحف والإذاعات مقلباً وجهي في طبيعة تقلب رسم الكتابات السائدة لمعاني إصطلاحات التاريخ والدين والفلسفة وحتى العلوم وكيف تقوم هيئات السيطرة بمواضعة الإصطلاحات والخطابات للإفادة بمعنى ما أو بضده، في لعبة كلمات أولها وآخرها مال.

فضد عبث "التحليل المنطقي" وضد "وضع صور اللغة بقياس المنفعة الآجلة " وجدت -بجمع التحليل المادي والتاريخي لعناصر وطبيعة الجدل المرتسم في الكتابات السائدة والتحليل المادي التاريخي لطبيعة الوعي الثوري السائد ضدها وحتى الوعي الثوري المُهمَش- وجدت حياة ذهنية واضحة الهدف والوسائل طيبة المعانى تأخذ الإنسان بفدائية ذهنية من جدل النصوص والفهوم بين كل من الكلمة والمعنى والوعي إلى "التأثيل" جدلاً جديداً بين الكينونة المادية لتاريخ الحاضر وخطابه، وكينونة صناعة المستقبل، بداية من تأثيل الخطاب الحاضر وإيضاح سمة التراتبية والطاغوت السائدة على عملية عقل معارفه وعلومه وبيانها.

قاربت هذه الأوضاع في آتون جدل بداية هذا الكتاب وماحفه من نزق وحدة المنشغلين بالوعي وإكتئابهم من هذا العبث المطبق إلا من حميمية وإشتغالات رفقة تسر الوجود المحيط والوجدان والذهن عن الغضب، وتهذب الرفض الباتر للإرتباط بالعالم النمطي لوجود العقل|الزيف السائد، كعالم كتابه الظلم والعبثية. فإن كانت مماهاة "العقل" و"الضمير"،أو التفكير والوجدان قد أججت نيران رفض الكتاب المنتحرين للوجود الذي يستلب قيمة الجمال، مقدمين تفجيرهم الداو للحياة في جسدهم فداءاً للإنسانية وعزتها من إمتهان الصدق وتحويله غطاءاً لثقافة القبح وسلطها المؤسسية. فمن شجن فهومهم لطبيعة "الحقيقة" و"التاريخ" و"الإجتماع" في الذهن قد يظهر سراب الإعتقاد في لا تاريخية الكتابة، والوهم بنقاء لغة التواصل من الإنحياز الطبقي، وجلاء الصدق في سياسية وحزبية حتى النقطة والمساحة البيضاء. فوفاءاً لبعض كدح المشرئبين إلى العدل، وتعلماً من مآسيهم ويسراً من ألم هذا الإبصار كان خروج التأثيل من تناقض وتهدم وإنهيار النصوص السائدة بتأسيسه نصوصية جديدة ذات صيغة إشراقية في التفكير والكتابة تواجه بتأثيلاتها الطبقية الثقافية في أحوال المجتمع والتفكير معاص الخطية الفردية التي يستبطنها الأسلوب التجزيئي السائد في عقل الأشياء وإعتقال الكتابة عنها.

فإذ يقوم أسلوب سلسلة نقاط التفكير خطاً وصوراً متتابعة بطابعه التجزيئي بنفث تكوينه الذاتي المخاتل للأياصر والصلات النظرية الإجتماعية-السياسية والثقافية الإقتصادية القائمة بقوة مدمرة في الذهن منذ عصور العبودية والإقطاع إلى الحال الحاضر، فإنه كنمط سائد في التفكير والكتابة ينشر في الذهن الصمت والموت بإسم العقل والعقلانية، يفعل ذلك بقوة خطاب مؤسسات التعليم ومؤسسات الإعلام الخاضعة لسيطرة رأس المال وتشكيله الإستغلال والإستعمار -القديم والجديد- في أثواب فاخرة وحليات خلب تملأ برينينها وبريقها السمع والفؤاد.

ولأن الدنيا حد البصر، أحداثها تحده مثلما البصر لهذه الأحداث حديد، كان لابد من تأسيس وتشكيل آخر للكتابة هو التأثيل، تأسيساً وتشكيلاً يتميز بثقابته وأثيريته على الزخارف المأيقنة في معابد الكلم ويختلف بفنه عن ثقل السلاسل والمواضعات، ويفوت بهوائه صخور المباحث الجزئية، ويرقى بلاءاته وألآءه ولألأته سامياً عن سخم الكتابة النكرة أو تكرار الكتابة التلقينية المجترة.

فخطوط التأثيل تتواشج بإشتغاله بمواشجة تاريخ الوقائع والأحداث والأفكار والتنظيرات في الإصطلاحات والفهوم بشكل ينغم موجها الظاهر والباطن بتفكير شمولي الأبعاد وبجدل قائم بقوانين حركة عناصر الطبيعة وعناصر تاريخ الطبيعة الإجتماعية للبشر وبنزعة زوج تحضر في الثقافة وتحضرها في عملية التفكير بصورتين: تفكيكية، وبنائية، يحسب بهما وبها التأثيل الأوضاع الطبقية في الأذهان والمدارس والإعلام وفي ثقافة العيش السائدة مثلما يحسب السائد منها في الثقافة الطبقية بشكل يتمسك فيه التأثيل بكينونة الكل ضد التجزئة وبإيضاح حالات التنوع وكينونات الشمول مثلما يحتفي بالتنوع والخصوصية ضد التعميم المعتم في الثقافة السائدة وعلاماتها الإزاحية الإحتكارية الميبسة الذهن بالألف واللام (الـ) أو في إبهامها المستطرد للذهن بـ (ية) الحركية.

فجملة التأثيل هي إشتغال تاريخي ولغوي إلى حد ما على حركة وعلى تموضع الوقائع والأحداث والأفكار والتنظيرات وتطورها وصلاتها بحركة الموضوعات والأعمال المتصلة بتطورها في بنية القوانين الأساس لجدل الطبيعة . وفي ذا ينسق التأثيل مفردات موضوعاته وكلياتها، وأجزاءها وكتلها بجمع فني شعري موسيقي مكتوب لعناصر النظر و"التفكير" و"الوجود" و"العمل" و"الوجدان" و"الوعي"، جمعاً متناسقاً تتجادل فيه التشكيلات الفنية الإشراقية والتشكيلات الخطية بإيقاع حال جديد المعنى إذ لا يبلغ التأثيل قاب قوسين أو أدني تناول بعض عناصر موضوعه إلا ليعرج منها راقياً إلى سدرة جديدة من الأفكار والموضوعات.






بفنية هذا الإسراء والمعراج يشبه التأثيل تصوراً معاكساً للتصور العلمي عن صيرورة الزمان ومحاولة تأريخ الزمان والفضاء History of Time & Space بتسطير من سيرورة طاقة إمتصاص النجوم الغابرة "الثقوب السوداء" ماحولها أما كينونة التأثيل فكينونة قريبة من نظرية الطاقة الإنقلابية للنجوم الغابرة وهي طاقة قوامها، ككل الحياة، عملية النبض الكوني، بقبضه وبسطه الدفاق بالخلق، وموئلها ومآلها في نطاق الثقافة الإجتماعية جدل التحرر والرسوخ في الأذهان والإنسانيــة.

كذلك فإن فن التأثيل يقارب خروج زاجل من أسوار بابل القديمة والمعاصرة حيث قد لا يعنى ذلك الخروج عند بعض ناظيره سوى الطيران فإن الحرية من بابل وفي بابل كانت معقودة في قدميه مبثوثة مع خفق جناحيه إلى المناضلين لها، مخفية نوعاً ما عن عيون العدو، والعدو هنا هو طاغوت "العقل"(= تنظيم إستهلاك البشر بعضهم) . لذلك فان التأثيل يكون نسيجاً لاحماً لمعاني الحرب والسلام التي تقدمت عبرها الأمم، ففي معارك الحياة المعاصرة التي تنعقد فيها مواجهات تاريخية عددا ينشد التأثيل أن يكون مثل زاجل الإسرر والحرية نابهاً خفاقاً رفيفاً.

و بهذا الإزجال يأمل هذا الكتاب ألا يكون كتابة تدرجية أو إرتقائية خطية يابسة حجر، لا حيوية فيها ولانبض، بل أمله في أن يكون سماوات التفكير وأراضيه أن مجرد لكلكة هدهد متمرد، أو حلم لأسرى بابل في كل العالم الحاضر التأثيل برسالة ينقلها من القدس أورشليم إلى دار السلام بشعرية سياسية تنبت على طفاف نشيد حزبي صاف للكادحين.




















مـقـدمة


فساد ثمرة لا يعني فساد شجرتها وفساد نقطة لا يساوي فساد الخطوط المكونة من نقاط خاصة في الكتابة وإيضاح الأبعاد والمعاني بنقاط متواشجة، بيد ان قيام قياس بإنتقاء دالة فساد جزء من كل وتعميمه هذا الفساد إلى كل منبت الجزء وأسباب تكوينه ونشاطه ومشروعيته دون تعميم خواص النشاط والحياة التي تدل عليها الأجزاء الأخرى من الكل ومن ثم بناء التفكير بهذه الدل العليل كان ولم يزل قياساً إنتقائياً يعطب تنوع التفكيرويطفئي أنواره ويلق الإنسان إلى التهلكة.

ضد هذا القياس الإنتقائي يقوم التأثيل بتناول بعض الحروب الفكرية التي أوقدها هذا النوع من القياس في الأذهان في موضوعات عامة عددا يظهر منها في هذا الكتاب موضوع "الشيوعية" وموضوع "الدين" وموضوع "الرأسمالية" وبعض موضوعات تفاعل "اليهودية السياسية"، و"المسيحية السياسية"، و"الإسلام السياسي" على حدة أو بالتوالي مع وقائع الحياة الإقتصادية والطبقية في النطاقات المحلية والعالمية، وكذا موضوع تشكلات الصراع الطبقي الحضارية والإقليمية والجنسانية وإرتصافها في نسق معين من سياسة الكلام والخطابات والنصوص يتحدد بنظم معين لعلامات نفسية-إجتماعية تقوم -ضمن التيار السائد- في عملية تاريخ البشر والتربية واللغة بتشكيل إمكانات ذهنية تبلور فهماً معيناً وإستواءه ذهناً كـ"عقل" وذلك بمفاعلة محسوبة بأصل الخطاب السائد المُرسَل جملةً مُنظَومة من الإشارات والكلمات يحدد بها الخطاب المعاني والفهوم، أو حتى بتوزيع علامات الإيمان والكفر بصورة تحكم بالترغيب والترهيب عملية تكون "العقل" بتحديدها في الذهن إتجاهات السمع والبصر والتأمل والنظر والقراءة والتأويل وفق إرادة منتج التأشير والكلام ونسق خطابه وإتجاهه، بتفاوت فيه الفشل وفيه النجاح.

فسياسية الكلام أنساق وإتجاهات وجدت في كل تاريخ البشر وكينوناته الطبقية الثقافية في اللغة والإعتقاد وفي الفلسفة وفي الفقه والحكمة وفي كينونات الفلسفة العلمية الكاثرة في مجالات المنطق والعلوم الحقوقية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية والثقافية والنفسية-الذهنية -السلوكية وحتى في التأثيل يتحرر منه ببدءه تأثيل "الفلسفة" في ختام هذا الكتاب.

في هذه المقدمة يتناول التأثيل نقاطاً من موضوع "الشيوعية" ومن موضوع "الدين" وفي بعض جدليات الصراع الطبقي والقومي والإقليمي والجنساني التي قد يستدل بها الحصيف على طبيعة نقض التأثيل للإحتكار:


في الحرب الفكرية الحاضرة والمستمرة في التاريخ بين قوى التحرر الفكري والإجتماعي وقوى إحتكار الموارد والسلطات والمعارف فإن القوى الإمبريالية تُخدِم القياس الإنتقائي بشكل واسع ضد كافة كينونات الماركسيـة–اللينينيـة خاصة مع إنعطاب ثمرة السوفييت: فآلات التوجيه والإعلام (= التضليل) في مراكز الإحتكارات وهوامشها تعمل منذ عشرات السنين في الأذهان لتساوي بين حالة تلف إتحاد ستة عشر جمهورية سوفييتية وحالة إنعطاب "الآيديولوجيا العلمية" حديثها وقديمها بل إن هذه الآلات تعادل حصار وخنق الإتحاد وتسميمه ثم حله بتلف كل الفكر الإجتماعي والعلوم التي أنتجته والتي أنتجها، ولا عجب في هذا النسق الأدلوجي لا الآيديولوجي لخطب التوجيه والتحكم السياسي من قيام الإحتكارات بتخديم "التفكيك" وبعض القيم الكنيسية معاً لأجل هدم العناصر الموجبة في إصطلاح ومفهوم "العقل" في شكل فلسفي وديني سياسي للعمل نقيض لكل دعاوها بإستقلال الفكر والدين والسياسة!

وبنشر قياس صحة الثمرة إلى صحة الشجر بل وصحة ذهن الزارع لها تنتقل الإحتكارات من هدف إتلاف السوفييت وعلوم الإجتماع معاً أو بالتوالي إلى إتلاف الإجتماع البشري نفسه بداية من شيئين هما:
1- إتلاف الطبيعة الإجتماعية لنظر الناس إلى بعضهم وإلى البيئة بتنمية فردية وجود البشر والممارسة الإستهلاكية اللامبالية.
2- طعن كبد تفكير الناس وإجتماعيته بمتوالية دالات تدميـر ذاتي للعقـل (الذهن) تعزها بنشر القياس القائم على تواتر الفساد أخيراً عن أول وخلفاً من سلف بل تزيده بصور تفسد إعتبار جميع الخطوط الفكرية في الذهن لمجرد تلف نقطة في خط واحد منها!















والزعم بتحطيم الرأسمالية مقومات الذهن والمنطق إصطلاحاً زعم قوامه مماهاة كلامها وتحطيمه إستقلالية وجود "العقل" و"الذهن" بجمعهما إياهما كلمة واحدة وعلامة ملتبسة هي Mind بينما العقل وليد الذهن وهو وليد المخ المولود بأثر بيئته الطبيعية المادية والحياتية كذلك فإن آليات الخطاب الرأسمالي في مجالات التعليم والإعلام تماهي نسق التفكير المضاد للوعي الثوري بمفردة "الإنفتاح"Openness بينما تضع نظامية التفكير الثوري الإجتماعي في مفردة الإنغلاق والعصبية لأقنومات الفكر (دوغما) Dogma كذلك تجمل آليات المعرفة والإعلام الرأسمالي إصطلاحي "الحضارة" و"المدينية" (المدنية) Civilization في كلمة واحدة علامة ملتبسة وتبلس "الثقافة" Culture و"المدينية" (المدنية) Civilization كلمتين بمعنى تطلقه مرة بدعاوى "التنوع الثقافي" Multiculturalism وتحدده مرة بـ"واحدية الثقافة" Monoculture قبل قيامها بوضع "صدام الثقافات" Clash of Cultures في قلب "صدام الحضارات"!، كذا تفعل جهة إصطلاحي "القومية" و"الوطنية" Nationalism تجملهما كلمة واحدة تماماً كخزلها إصطلاح "الحرية العامة" Freedom وLiberty في حرية رأس المال، كذلك إجمال آليات الإستلاب مصلحة رأس المال و"المنفعة الإجتماعية" بإصطلاح "المنفعة التجارية" Utility بإسقاط تمييزها وبإصطلاح الكفاءة الرأسمالية Efficiency ولبسها بـ "المنفعة العامة" Public Interest كذلك محو شرقية ومقدونية حضارة (اليونان) بكنية "الحضارة الإغريقية" محواً لجذورها الأفريقية الآسيوية في حضارة كريت. ولا يخرج عن ذلك إلباس الخطاب المرسمل إصطلاح النظام الفكري وعلم الأفكار Ideology المولود مع "الموسوعات" كخلاصة لعصر التنوير والتنظيم العلمي لوصف الأفكار وعرضها بإصطلاح أدلوجياIdiology الذي يعني الحداء والتقدير الذاتي الصرف المتعصب. تصيغهما في العربية المعنى الخبيث في الكلمة الطيبة.


كذلك فإن آليات البرجوازية أو الرأسمالية بعد سرقتها ثورات التحرر الشعبي الأوربية ضد الإقطاع والحكم الملكي المطلق تسلب وجود الكينونة الفكرية لتلك الثورات المركزة في إصطلاح "العقل" بتأليهه مرة ثم بتخديمه بإحتكار وإستهلاكية في الصراع الطبقي العالمي، لا ككينونة معرفة وخير بل كأيقونة إقصاء وعلامة تجارية فلسفية مدينية وثقافية حضارية مركزية أوربية-أمريكية الإستواء رمزها ورمزه الرئيس (سابقاً): الإستعمار العسكري-الإقتصادي وحُكم العالم بأليات الصناعة ومدافعها أما رمزها ورمزه الحديث الحاضر فهو: "تقنية الإتصالات" والمغنطة الرقمية لأجزاء الحروف والصور وبثها والسيطرة العنصرية الأوربية الأمريكية عليها دون دفع أي مقابل لحيازة الآثار والحقوق الفكرية لتأسس العلم وتجليه في (حضارات) أفريقيا وآسيا، ورياضياتها وعلمائها، أو أي تعويض لبشاعة تاريخ الرأسمالية ووحشيته في إستثمار المعارف بصورة طبقية لا إنسانية.



بمثل هذا التلبيس بتحديد النظر والإدلال والتأويل وزيادته بالتفريد الشديد لنشاطات المعرفة والعقل والعلم النظرية والتطبيقية تضاد الرأسمالية -ككينونة تجزئة- تواصل بعض المعارف والنشاطات بحجة "التخصص" كما تحرِم بإسم إنفصال العلم عن السياسة أي محاولة طبقية أو قومية لكسر القيود النظرية المكبلة وجود المجتمعات والأذهان وتقدمها، بل تزيد القيود التنظيمية والمالية والأدلوجية والفلسفية والعلمية والإعلامية على تكون المعارف خارج مؤسسات الإقطاع الأكاديمي الحاضر وطوائفه الحرفية، مضادة في ذا أي بلورة لمعارف جديدة ذات عيارات وقيم كاشفة لأقانيم الحاضر وتشكله أو رسمه بصور تشير بوضوح إلى تناقضاته الإجتماعية وتفتح إمكانات عددا لتغييره وتوسيع نشاط الإنسان بتحريره من الحاجات الأولى ومن نزعة الإستهلاك.

وإضافة إلى تعارض طبيعة الإحتكار كسيطرة وإستئثار تعارضاً منطقياً مع حرية المجتمعات المهمشة عمليةً وذهنيةً وتحرر العالم من التكالب والتلوث فالزعم بتحطيم الإحتكارات "العقل" رهين أيضاً بمسألة أكثر دقة تعرضها هذه المقدمة دون سواها من التأثيلات الأخرى لأهميتها التي نشأت في تطور السياسات والمعارف في القرن العشرين ولتأثيرها على مستقبل البشرية. وإن كان عرضها طويل فلأهمية تفاصيله فبداية من الأزمة الرأسمالية العالمية الحاضرة بعشواء الإنتاج والإستهلاك والتمويل وتناقضهم في التنظيم الرأسمالي لوجوه الحياة بقيام حرية التملك الإنفرادي وعشواء الإنتاج بتخفيض عدد العمال والأجور وزيادة أسعار الخامات والمنتجات وبالتالي مضاعفة الفقر الطبقي والإقليمي والجنساني وزيادة تباين قوى المجتمع وتأجيج النزاعات والحروب وتفاقم تخصيص "العقل" بسياسة معنا أو ضدنا الرومية النازية وبالتالي تغييب الوعي وإستهلاك مستقبل الإنسان في التكالب والصراع الحاضر سواء لمجرد البقاء أو لأجل الإفراط في الإستهلاك.

المسألة الناتجة من هذه التفاصيل تهتم المقدمة بإيضاحها عبر تأثيل قيام الرأسمالية بقياس تحولات النقطة السوفييتية وظروفها المحددة بصلاحية وجود خطوط الإجتماع والتاريخ في العقل ثم إنتاجها من القياس الإنتقائي إنكارات متنوعة لصلاحية تلك الخطوط كعناصر معرفة مجمعة بمنطق خبرة التشابه وإتجاه التوليد من نقاط الحاضر وأفكاره المؤسسة لتكوين أفكار جديدة ذات أبعاد وتصورات أخرى حيث تسفسط جزءاً من "العقل" بدعاوى تقدمية عددا منها "القطع" و"اللاخطية" Nonlinerism و"التفكيك"Deconstructs . تستثمرها في عملية كبرى لإحتكار المعرفة بداية من تحريم منمق للفلسفة بين الناس و تحريم للأفكار الثورية في وسائل الإعلام ، وإضطهاد وهزوء من أي محاولة جادة لإيضاح تناقضات الرؤى الظاهرية السيدة اللا أدرية والبرجماتية والتحليلية وغيرها من صنوف التفكير الرجعي المكرس للرأسمالية.



فضد هذا اللون من القياس المنتشر برسائل التوجيه السياسي المرسملة التي تذيع الحكم على الكل بتحولات جزء منه في ظروف مختلفة يرى التأثيل أن "اللاخطيـة" Nonlinerism نفسها شكل خطي يتجه من نقد القديم وفلسفة القطع وبفلسفة القطع إلى إستبعاد أسلوب السرد المتواتر في التفكير. وإن كان يطرح بشكل موجب مضمر تنوع أساليب المعرفة والفكر مع تنوع وقائع الناظر والمنظور أو حتى الخيال بمعناه الأدبي. إلا انه في الجانب السالب لهذا التفكير فان النفي العام لصلاحية الخطوط في التفكير يرتبط بعمليات تحديد إجتماعية المعرفة وإختصارها في مشروعات تجارية وبزيادة في عمليات تخصيصها. ولكن لا شبه لذا مع التأثيل فالتأثيل يداخل الخيوط كرة بينما اللا خطية تنفيها في تخصيص جديد للمعرفة بعملية شبه إلى تعويم العملات الوطنية وجعلها متاحة لسيطرة البنوك الخاصة فكذلك تفعل قوى السوق في مجالات الفلسفة والمعرفة وبنوك التفكير.

فطبيعة تخصيص الإمكانات المادية للمعرفة من مراكز ووسائط معلومات وبحث ونشر تمثل عملية رأسمالية لإحتكار "العقل" وإستهلاكه وتنفى النصوص الثورية بدعوى سياسيتها وخطيتها وقدمها فلسفة وآيديولوجيا تحبسها في إطار المكروه، ثم تُظهر محاولة (تحرير) "العقل" في صيغة إبهام، قوامها إعادة المعرفة إلى مرحلة ما قبل إكتشاف الخط في التفكير أي كتهاويم وتأملات مشتتة وإحصاءات لارابط إجتماعي بينها إلا ما تقره السلطة السيدة على المجتمع ومعرفته. ولعل هناك علاقة ما للترافق بين التصاعد الخطي للعمليات اللاخطية لنفي العقل وإجتماعيته وتحريره، وتصاعد خطية تركيم الأرباح وتحرير الأسواق، وظاهرة تشريع حروب تحرير أفغانستان والعراق وباكستان وإيران ولبنان وسوريا.. الخ في خطوط متضافرة لا مجال في مراكز البحث والدرس المرسملة إلى تفكيكها أو إلى بناء أي كيان مفكك لها.

أثيـر الفكر الإجتماعي وفلسفته الثورية الذي يضادهما القياس الفاسد لإنعطاب الخطوط بإنعطاب نقطة فيها هو: (علم) الثورة الإجتماعية المبستن أرقى منتجات الفلسفة والعلوم التطبيقية والنظرية حديقة قوامها الوعي بولادة المستقبل من الحاضر والتفاعل الجدلي لمكونات الحياة مادة وثقافةً، مما يطمح هذا الكتاب إلى تشكيل فقرة منه. وعلم الثورة الإجتماعية كيان جديد بطبيعة تكوينه الشمولي ومظهره المتنوع ونشاطه المُؤسَس بنضال الناس وجديد بتجاوزه حالة التباعد في الوجود القديم لبنى العقل وتكويناتها في الحياة، بما فيها تكوينات العلم والمعرفة.

وقد جاءت مقدمة "العلم الجديد" ثورة عقلية شاملة في ذاتها وفي موضوعها بتبلور موضوعي متنوع خطي ولا خطي لسلاسل طويلة وقديمة من التطور الكمي والنوعي لعمليات الفلسفة والمعرفة المنظمة والعلم وإرتقاءهم الحديث إلى تفريد الموضوعات وجمع العلوم والفلسفة والتاريخ في عملية بحث وإنتاج فلسفة وعلوم ومعارف جديدة، أقنومها التناسق بين وجود الطبيعة والإنسان ووجود الذهن والوعي والوجدان والنشاط الخلاق في الحياة.

لذا نشأ هذا العلم الجديد بفلسفته ثـورة معرفـة تبحث الوجود الإجتماعي للبشر وتأريخه وفقاً لأسس الطبيعة وقوانينها العامة وكتأسيس لـكيان ذهني جديد لتحرير البشر أنفسهم من تناقضات وجودهم وكسرهم أغلالهم وإزالتهم كثير من الحجب والغشاوات عن إمكانات إشاعتهم خيرات الوجود على بعضهم وتحقيق أحلامهم في حياة حرة كريمة.


وقد جاءت هذه الثورة الجدلية العلمية-الفلسفية-التاريخية إلى الوجود الموضوعي للعالم بعد تآكل الثورة الفرنسية أعلى ثمرات عصر التنوير متشجة بتبلور "العقل" بفعل نظرات حركة الكشوف الجغرافية والحرفية وبتأملات حركة الكشوف الفلسفية والعلمية والفكرية والآيديولوجية المنعقدة بها، وبتبلور الأخلاق العملية الفاضلة (آنذاك) في الثورات التي نبتت من هذه النظرات والتأملات والفهوم في العالم حتى تكون: "المفهوم النظري لمعرفة خواص الأشياء" المختصر في إصطلاح "العلم" كائناً ذهنياً إجتماعياً فعالاً في الحياة، حيث أصبح " العلم" هو الكيان الموضوعي لـ "العقل" الذي أضحى بدوره علامة ثقافية للعلم وأيقونة آيديولوجية أو راية له ولكفاح الناس ضد القهر وضد الدجل الحامي له في حرب تقرير مصير المجتمعات البشرية وطبيعة حريتها وإستقلالها عن أشكال الإخضاع والإستغلال والهيمنة الفكرية والمادية.

لم يك للتفكير الثوري لماركس وإنجلز في ظروف ذلك الزمن القدرة على تجاوز مفهوم "العقل" وإن كان قادراً على نقد الأفكار الأساسية التي أنتجها في صور "الفلسفة" وفي صور "العلم" المهيمنة آنذاك وهي علم الإقتصاد السياسي، وعلم التاريخ، وعلم الأفكار (الآيديولوجيا) وعلم الطبيعة (المادة والفيزياء) وعلم الإجتماع بينما بقى "العقل" الذي أنتج كل هذه العلوم المتناقضة آنذاك بعيداً -نوعاً ما- عن أي إنتقاد ماركسي مباشر ورئيس، وهو بعض ما يحاوله التأثيل.

في المجالات العامة التي يظهر فيها تخديم إصطلاح "العقل" والمجالات التي يظهر فيها تخديم إصطلاح "العلم" في الصراع الفكري بين قوى التحرر وقوى الإحتكار يهتم التأثيل بإيضاح وجود علاقة "مركز وهامش" محيطة بهذه المجالات من الخارج وأخرى قارة في داخلها متناولاً بعض من تاريخ التفكير المواشج تخديم الإصطلاحين النظريين.

في هذا الصدد ينبه التأثيل إلى فعل التناقضات الإقتصادية الإجتماعية والنشاط التاريخي الثوري ضمنها في كافة المجتمعات، وتمهيده التربة والمناخ لنمو تنظيمات المعرفة والعلم والعقل وإرتقاءهم إلى مستوى أعلى متفوق ومختلف في مضمونه الإجتماعي وتركيبه التاريخي وإتجاهه الشمولي في الحياة الإجتماعية عن الصورة القديمة الجزئية لتشكل المعارف والعلوم النظامية وما إتسمت به من موضوعاتها من جهد في حصر الأوليات وضبط معرفة سيروراتها وتبلوراتها وتعيين وفهم وظائفها وموضعة إتجاهاتها وتزاحمها حرفها ومعانيها ذهناً.

من تشكل الأشغال والحِرف وتشكل المعاني ينبه التأثيل إلى جدل قائم بين النزوع الحروفي الضيق والنزوع ذوالحساب والتمعن الواسع وقيامهما في جهتين هما:

1- جهة أمور الحياة الدنيا وشؤونها في مجالات الزواج والولادة والتربية والتعليم والعمل والطب وحتى الدفن أو في مجالات الشغل والنشاط في الزراعة والحصاد والحساب جمعاً وقسمة، وفي الوضع والبناء أخشاباً وأحجاراً ومدماك، وفي مجالات فرز الأقطان أو الأصواف وحلجها وغزلها خيوطاً ونسجها أقمشة بحساب وعمل معين وتلوينها وحياكتها، أو في مجالات رسم وسطر العناصر والأحداث والمعاني وتلوينها وطلسمتها أو ترميزها..إلخ في حالة حرفية ضيقة محددة أقرب إلى أن تكون سجناً.

2 - جهة الفتوحات الفلكية لإرصاد مواقع النجوم وحركتها وسبر الخيمياء عناصر الأشياء وعلاقاتها في ظروف شتى تقاربان بمعادلات بيانهما سحراً في جهة كشف وتفعيل الفوائد حيث كانت أحوال الأرض ومصائر المجتمع تُقرأ وتفهم وتحدد فيها المهام من واقع المادة والحرفة ومن إدراك علاقة عناصرها بوقائع الكون والنجوم في جهة السماء.

فمن حساب طبيعة إختلاط أو إنفصال العناصر الأربعة: النار والهواء و التراب والماء في جهة الحرف الحياتية، ومن الحساب الفلكي لتبلورات المواد والحاجات والحِرف والمعارف والمعاني في السودان القديم نشأت من الحسابين وتفاضلهما وتكاملهما مفردة الـ(صيفيا) أوSophia رديفة لمعنى الوصف الدقيق وصفاء الذهن معرفة وتقديراً "حكمة" لا شك في ان إرتقاء تكونها وتبلور معناها الحاضر مرت بأزمات إختلاط المعلومات وفرزها وتنوع وجدل المعايير وكيفية الإصطفاء منها بمعيار معين دون سواه.

من الطرح التاريخي لتطور الحساب والحرف والفهوم والمعارف والعلوم والمعايير وإرتقاء الذهن بجدلهم ونفوذه بهم إلى أقطار السماوات والأرض فلسفةً يمكن القول في صدد علاقات النقطة والخط ونسج الخطوط عقولاً ومفردات ومعاني: أن مستوى الإرتقاء والتشعب الخطي لعمليات العلم والمعرفة قد مثل ثورة في "علاقـة الذهن والوجود" وتقدمهم عناصراً وحركة عدداً ونوعاً مما تبلور بخروج العقل الحديث من تيه كينونات الحكمة القديمة ووتقلب وجهها جهة تعريف "العقل" وجهة تعريف "المعرفة" وجهة "تاريخ الأفكار" وتبين مكارم الأخلاق وسط إدلهام الظلمات الطبقية والقومية والإقليمية بل حتى نفوذ العقل الحديث من وعثاء ذاك الخروج إلى أقطار معرفة وعلم بناء أحوال الثورة الإجتماعية.




ويلاحظ التأثيل إضطراب تأسيس هذا العلم إلى الآن وفق إضطراب المنظومات "العقلية" و"المعرفية" و"التاريخيفكرية" الضرورة لنظمه إضطراباً يوافق إضطراب "العقل" القديم القائم حاضراً في ترتيب تشكلات المادة من الأجسام إلى الذرة إلى العناصر بروتونات ونيوترونات إلى مُفتتاتها وإنتهاءه إلى مشكلات "الأثير" وعلاقة "الطاقة" و"الكتلة"، دون وعي بأن هذا الإضطراب موصول لا بمعرفة المعطيات في الطبيعة والطبيعة الإجتماعية بل وشيج بالطبيعة الضيقة لتكوين "العقل" كشكل للتفكير الخطي، وككيان إجتماعي تؤثر فيه العقائد.

رغم هذا الإضطراب فإن معرفة وعلم أحوال الثورة الإجتماعية معرفة وعلم وثـورة ذات طبيعة ذهنية وعملية نضالية لها سمات طبقية عمالية وإقليمية وجنسانية وقومية ضد تملك بعض الأفراد وسائل إنتاج المجتمع وخدماته العامة وضد إحتكار مركز الحكم لمنافع وأكثر عوائد عمل العاملين عليها، وهو إحتكار مواشج للإستغلال والتهميش ولقهر البشر وإستلابهم وقمع ظهور الإنسان.

وينفذ التأثيل من ملاحظة الإضطراب إلى تعيينه في الحركة الشيوعية الحاضرة بإعتبار ان "الشيوعية" هي المجال الأول لنشوء علم الثورة الإجتماعية وفلسفتـه المادية التاريخية والجدلية ذات السمة الثورية.فمنذ تبلور الشيوعية بعد صدور البيان الشيوعي في العصر الحديث فإن بعض بداءات التفكير الإشتراكي القديم المرتبط في تأسسه وفي آفاقه بالفهم القديم لـ"العقل" وإتجاهها إلى إنتظار إستنفاذ الرأسمالية مهماتها في القضاء على الإقطاع وإصلاح تناقضاتها إتجهت تلك البداءات منذ ظهور الشيوعية إلى عرقلة التقدم الثوري للعلم ونبوغه الإجتماعي ونفوذه إلى تاريخ ومستقبل البشرية بالبذ السياسي الذي جسدته بوادر "الإشتراكية العلمية" وحركيتها الماركسية-اللينينية، فعمدت إشتراكية "العقل" القديم إلى شن الحرب على الشيوعية في كافة تبلورتها وزادت ضراوة في صراعها الفكري بإتجاهات شتى إلى إقتلاع أو تسميم الجذور الفكرية للشيوعية في الحداثة والعلوم والفلسفة فلعله ليس مصادفة أن الجهات العلمية والإعلامية التقدمية التي فرزت الكتلة عن الطاقة تقوم بإعادة توحيدهما والكون في "مجال" وإذ ثبتت التاريخ الزمني لوجود الأرض ببلايين السنين وللإنسان بملايين السنين والتطورات فإنها تتحدث الآن عن "خيار" و"حقيقة" تاريخ "الخلق" وزمانه إنه تم قبل ألاف السنين!

كذلك صار ضرورة لأفكار التملك الفردي لوسائل العمل والخدمات الإجتماعية سواء في ثوبها الغشتراكي أو في ثوبها الرأسمالي أن تشتغل لتدمير أسس التفكير الشيـوعي وحركاته السياسية الإقتصادية-الإجتماعية والثقافية تدميراً شاملاً لقيامه على إلغاء تملك بعض الأفراد وسائل الإنتاج والخدمات العامة وذلك لتحقق لأهل التملك بهذا التدمير حرية قصوى في تملك وإستغلال الموارد والبشر وربحاً لئيماً من السيطرة على حياة المجتمعات.


بهذه المناضلة وغيرها أصبح استمرار التصاعد الخطي للأرباح يرتبط بتركيب وتشغيل وتطوير نظم كبح فعالة منها نظم فكرية تعمل في مجالات التنظير والثقافة والعلم والفلسفة والإعلام خاصةً وفي تكوين العقول عامة تحاول شطب عقلية الثورة الإجتماعية وثقافتها من الوجود في أجزاء العالم المتناقض! وهو أمر غريب لأن شطب عقلية الثورة من العالم يؤدي إلى تكلس العالم حيث يتطور العالم ويتقدم البشر فيه بشكل موضوعي من مرحلة إجتماعية إلى مرحلة إجتماعية أخرى أرقى بتقدم في مستوى إستفادة الناس العينية بالطبيعة المحيطة بهم وإفادتهم لها. ولا محيد من إرتباط هذا التقدم بتطور تنظيم الناس أدوات ونظم وجودهم الإجتماعي الإقتصادية والسياسية، ولا مندوحة من تواشج هذا التطور بإرتقاء حتمي لوعيهم سواء بهذا التطور أو لأجل تحقيقه، وبإتقاد ثوراتهم لبلوغـه. وتزيد الغرابة لأن النظم الناشطة إلى تدمير الشيوعية في العالم تحارب تحرر الكادحين والشعوب المضطهدة والمستضعفة بتخريب كامل للوعي الضروري لهذا التحرر وجذوره العقلية ومكوناته العميقة القائمة في جدليات وتشكيلات الوعي الإجتماعي: الوعي التاريخي العلمي والفلسفي، والوعي الديني، والوعي الأولي البسيط بأمور الحياة ككتلة إجتماعية-إقتصادية-ثقافية مسيسة، مما يضر حتى وجود الإحتكارات.

وإن كان لاشك كبير في أن الوعي -كسمة عقلية لتفكير ونشاط الإنسان- يتكون بعضه بنظر خطي يصل نقاط الوجود والتطور الإجتـماعي للبشر وجدلياته بدءاً من حال البداءة والإستغلال والحروب إلى حال التحرر من قيود المعيشة والتعاون والسلام. فإن تشكل هذا الوعـي بالتقدم الإجتماعي والتحرر وإستنارته بمعرفة كينونة الإنسان ودوره الخلاق بالحياة وتقدمه من البداءة إلى الحرية من حالة نقص ضرورات عيشه والتكالب عليها جماعاتا وأفرادا ودول، كان المهم في التأثيل ضد الإتجاهات المضادة للشيوهعية تكرار الإشارة إلى حدوث إرتقاء الوعي بعملية التدافع والصراع بين طبقتي المجتمع: الإمتلاكية، والعمالية، تخوضه البروليتاريا لأجل التحكم بالطبيعة المحيطة تحكم العامل بموارده وأدواتــه في نطاق تنظيم الحياة البشرية بصورة إجتماعية تسلمها من التكالب ومن الإستغلال.

مما سبق تضحى من المهام اللازمة لقيام الإشتراكيين القدامى والرأسماليين الجدد بتخريب "الوعي" كمؤسس أصيل للشيوعية الشروع والنشاط في تزييف حقيقة الوجود والصراع الإجتماعي بتصوير مجتمعات العالم مجتمعات خالية من الطبقات أو تصوير حكم الطبقات السائدة أو قوتها الدولية كطبيعة مثل الماء والهواء وكقدر لا مجال للإنتصار عليه في الظروف الراهنة. وإلى هذا التزييف والتخذيل تهمش قدرات الشعوب ويغفل ويغلق الدور الطليعي لطبقتها العاملة وقواها الثورية، فتلجم في الأذهان الخيول الجامحة، وبإحتكار النشر لنصوص رتيبة وعقليات تضاد بعضها، فإن الإتجاهات العدوانية ضد للشيوعية توئد الأذهان الوثابة بتغييب حقيقـة وجود تناقض بين مصالح الدول الإحتكارية ومصالح الدول المستتبعة لها كما تنفي وجود تناقض طبقي بنفي وجود أزمات منه وحروب!

بتخديم الهندسـة العكسيـة للقيام بتفكيك نظم علامات الصورة السائدة اليوم عن الحرب بين طرفي الصراع: طرف الإحتكار والإستغلال وطرف الحرية، تظهر حقائق منها ان هذه الحرب حقيقية وشاملة لحد ان تسمى الحرب العالمية الثالثة أو الحرب العالمية الرابعة، وأن هذه الحرب تغطى إعلاماً وفلسفة وعلماً وتنظيراً وتأريخاً وثقافة بأسلوب منحاز إلى تهميش المجتمعات ومنحاز إلى إستغلال الإنسان وتحكُم الإحتكارات في حياته بسيطرتها على أسس وضرورات معيشته وإمكانات حياته في العمل وتقديم وتلقي الخدمات ومنظومة الدخل والأسعار والضرائب.

يظهر هذا الإنحياز الإحتكاري في عمل وسائط المعرفة والإعلام والتنظير السائدة بالنظر إلى كم العلامات والتأويلات الموجبة فيها لحالة إمتلاك بعض الأفراد لموارد ووسائل حياة المجتمع وتطوره وتحكمها النسبي في إرتقاءه وتعزيز وسائط الثقافة الكبرى للدور الرئيس لإمتلاك بعض الأفراد وسائل حياة مجتمعهم بصوغها الأذهان بنُهج تجزيئية، بأساليب شتى قوامها إما إظهار الأحداث وبعض مضامينها بصور سلبية نافية علاقتها بالمصالح الرأسمالية أو بصور موجبة تحصر سبب إيجابها في المصالح الرأسمالية.

وبالنظر في مجال صياغة المناهج والأخبار والأراء، إلى كم الآداليج الموجبة لحالة تملك بعض الأفراد وسائل تطور المجتمع، وإتسام تلك الصياغة بقاعـدة "المجد للمال والفقر لأغلب المجتمعات" ففي قص الإنباء والإخبار والرسائل الجانبية لأجهزة الإعلام تلك، نجد كماً كثيراً من الإنحياز إلى نظم الإحتكار صفيقا ضد نظم ونشاطات التحرر الثوري للمجتمع والعقل البشري بزوره الوضعيات النضالية النظرية والعملية الضرورة والمؤسسة لتحرر الناس ومجتمعهم من نقص ضرورات عيشهم ومن تكالبهم عليها هي وضعيات فهوم وممارسات عروتها الموضوعية الوثقى شيوعيـة موارد ووسائل الكدح والخير في الحياة وشع ثمارها بين الناس.

بتحديد علامات وتأويلات التشكيل الإظلامي للوعي، يمكن كشف معالم الإنحياز الطبقي في النشاط العالمي للإعلام الرأسمالي، كشف قوام الشجرة المقطوعة عن أداة القطع، كشف البصمة عن المتهم. وكشف إمبريالية الإعلام وسيطرة الإعلام ووكالاته الإمبريالية على الوعي السائد وتزييفها له مسألة ضرورة لمعرفة طبيعة أحوال المجتمع وطبيعة قيوده ومظالمه العامة وتنمية أدوات ووسائل تحرره منها.

في هذا الصدد يتناول التأثيل بعض الروابط بين إمبريالية الإتصالات والإعلام ومؤسسات المعرفة ونشاطاتها، والحساب الرقمي للكلمات والصور المتداولة في هواتف الإتصال (الخاصة) وفي ملتقيات الإنترنت، وإمكانات إثبات أجزاء من الخلل البنيوي|الهيكلي في الرسائل الإعلامية المرسملة بقيامه بتحليل أولي لعناصر وحكايات التغطية الإعلامية في المراكز الرأسمالية للصراع بين الإستئثاريين ودول أو مجتمعات أو أحزاب الكادحين في العالم.

كذلك يحاول التأثيل بلورة كاشف جديد للتزييف الإعلامي الماحق أحوال الكادحين والمهمشين بمقارنة معالم تكوين الصورة الإعلامية بمعالم حركة الطبيعة وقوانينها، وبأحداث أساسية في التاريخ ومجرياته العامة، وأيضاً بمقارنةالرسالة الإعلامية بأوضاع أساس في كينونة الإقتصاد السياسي وفي تطور الإنتاج والمعرفة والوجدان والوعي والنظم السياسية. وبتحليل علاقات الإحتكار في هيئات الإعلام ومعالمه في خطاباتها وبمقارنة طبيعة مادته بالبنية الطبيعية-التاريخية-السياسية لتطور الوجود البشري يحاول التأثيل إيضاح: أن تغطيات الإعلام السائدة تمثل جزءاً فاعلاً من نشاط قوى الإستغلال ورؤاها في الصراع والإحتراب الطبقي وصوره الحياتية والفكرية والآيديولوجية بكل مكوناتها لأجل أما توكيد تملك بعض الأفراد موارد ووسائل حياة وتطور المجتمع أو لمنع إستئثار بعض الناس من دون كل المجتمع بأمر هذي الوسائل التي تجلب الماء وتوقد النار وتنبت الحشا والكلأ ينفردون بها دون شركائهم في الكينونة الإنسانية الإجتماعية.

يسجل الكتاب في إنتقاله بالناس من "العقل" إلى الذهن والتأثيل أن قوى الإحتكارات تشن حروباً متصلة فكرية وآيديولوجيـة، متكاملة ومتطورة، لقمع محاولات الحرية تكريساً لحالة ربح متملكي موارد المجتمعات ووسائل عيشها من تبخيس قيمة عمل الناس ومضاعفة أسعار ما ينتجونه تحت سيطرتها ويحتاجونه للحياة فمن جهة تحشد رسائلها في وسائل التعليم والإعلام المرسملة في شكل علامات تربوية وتوجيهية للعقل تضمن به صمه عميه وبكمه وإستمرار نظامها في الحياة بإنتقاءها نقاطاً وأبعاداً تفيد تحقيق هذا الهدف من نقاط وأبعاد أخرى ضرورة لمعرفة أبعاد أي موضوع بصورة شمولية فعاله، وبهذا الإصطفاء والإقصاء تتفعل صورة جديدة في العقل لحالة الناس تضاد الوعي الثوري، حتى أن كثيراً من الناس يعتقد أن البؤس الذي تعيش فيه أكثر دول العالم مسألة طبيعية أو نتيجة قدرية لا مجال لعلاجها أو لتعديلها

ضد هذا التطفيف يتناول التأثيل بأشكال عدداً طبيعة عملية سيطرة أجهزة التعليم والإعلام على تداول الكلمات والمعاني والصور وتغييرها أشكال ومواضعات الرموز والدالات -بصورة محسوبة ومنقحة بإستمرار في مراكز الإعلام الكبرى -. وأن سيطرة الإعلام على مفردات اللغة تنتج رسوخاً في التفكير الشكلي والظاهري بداية من نقل "الذهن" من مجال حساب العناصر والعلاقات والنتائج الإجتماعية إلى مجال عقل ونقاش الأسماء ومدى الدقة الإنبهام في إنفتاح الدالات حيث تنفصل الحقائق الإجتماعية عن الحقائق الطبيعية في العالم. بتكرار نشر هذا الأسلوب وطباعته في الأذهان يقولبها ويتم إخضاع المجتمع وثقافته إلى حد قد يأخذ فيه موقفاً رافضاً لتواشج أو ترابط منظومات الإجتماع والإقتصاد والسياسة والثقافة و"العقل" والذهن بل قد تتطور سلبيته إلى عداء نشط للأفكار والوقائع والنظم القائمة على تقدير حركة وترابط العناصر الإجتماعية.

عداء بعض الناس وإستعارهم ضد ترابط عناصر الحياة قد يرتبط بفقدهم معرفة إرتباط ظاهرة ما كسخونة المناخ بتزايد نفث الصناعة والسيارات لغازات تخرق طبقة الأوزون الواقية من شدة إشعاع الشمس أو بجهلهم تواشج الفقر والعنف والحروب والإمبريالية مع حرية تملك بعض الأفراد موارد االمجتمع وإختصاصهم بها من دون بقية الناس. لكن بصورة عامة يمكن تصور عداء التفكير السلبي لإجتماع الحقائق العامة للطبيعة والمجتمع ونبضها التحرري كجزء من حال حرب متكاملة تعزز شقها الماثل في التجهيز والحصار والقذف والإنزال والضرب والسيطرة، بتاكتيكات خداع وتمويه وتسميم آيديولوجي، ونصب كمائن فكرية، وتسبيب إطلاق نيران صديقة، وفبركة وإعداد ونشر أخبار ووثائق وملفات وتقارير، ومنهجة الأكاذيب، وتنمية القمع الذاتي، وتزييف الحريات، وكذا تقديم صورة خلابة عن أفراح الخصخصة والديمقراطية والثواب الدنيوي المقابل لها والجنات الموعودة بها وحور الـفكر الجديد المنتظرات كل متخلي عن الشيوعية.

وأحوال الإلهاء وسلب الوعي وتشييء الإنسان الكادح وتحويله إلى آلة، لا تفكر في طبيعة إنتاجها وإستهلاكها، ولا في غايته وقدراته وحدوده، ولا في ما قضت فيه دنياها بنهاراتها ولياليها، فهي مما يناسب تنظيرات (الإستقرار) الإجتماعي-السياسي التي إبتكرتها الإمبراطورية الرومانية المقدسة قبل أكثر من ألفي عام. وفي واقع الأزمة الشاملة بهيكل وأليات النظام الرأسمالي، الناتجة من إرتفاع دورة وتكاليف الإنتاج والمنافسة وإنخفاض دورة وقدرات الإستهلاك تبدو عند هيئات الإحتكار أهمية التدمير المستدام للشيوعية من خارجها، ومن داخلها، مرتبطة حيناً بالمحافظة على صيغة ومفهوم "العقل" وحينا ترتبط بتدميره عزةً للتنظيم الرأسمالي لتملك بعض الأفراد وسائل الإنتاج العامة والخدمات الإجتماعية وإنفرادهم بتسيير عيش الناس متحكمين فيه وفيهم تنمية للأرباح.

وفي هذا الصدد من التأثيل لا يأتي القول بوجود أزمة بنيوية وهيكلية للنظام الرأسمالي من عداء مجرد لإستغلال وتهميش رأس المال لحاجات وجهد المنتجين والشعوب في العالم، وتمركزه فيه، بل نتيجة من قراءة موضوعية لألية تكون ونشاط رأس المال في تاريخ المجتمعات والوضع الإقتصادي الراهن ولآثاره الوخيمة على وجود بلادنا ومجتمعاتنا وعلى وجود ومستقبل البشرية: فبتتابع تملك رأس المال لوسائل الإنتاج والخدمات الضرورة لوجود وتطور المجتمع، يٌحرم المجتمع من السيطرة عليها، ويلقى عبء العمل على هذه الوسائل على طبقة الناس الذين لا يملكون لبقاء حياتهم سوى تقديم عملهم لرأس المال مقابل فتات من عائداته تسد الرمق أحياناً وفقاً لشروطه التي تتطلب الأرباح إجحافها.

فمن ناحية عضوية وبنوية الأزمة الرأسمالية ينظر التأثيل إلى طبيعة الإستغلال الإحتكاري لحاجة الناس للعيش والعمل بأجر لأجل توفير مقوماته حيث يقوم رأس المال بتسعير عمل الناس بمقدار يقل دوماً عن الأسعار التي يضعها للسلع والمنتجات التي ينتجونها الضرورة لمعيشتهم، محتكراً بهذا التطفيف أعظم عائدات عمل الناس في إنتاج البضائع والسلع بفصله قيمة العمل عن قيمة السلع المنتجة بهذا العمل. وبهذا الفصل العاسف تبقى الطبقة العاملة من الناس وأبناءها في الأسر المستدام لرأس المال بينما تختص الطبقة المتملكة لرأس المال لنفسها بالمتبقي من العائدات المالية لإنتاج الطبقة العاملة.

وإذ تستأثر الرأسمالية بالعائد الأعظم من العملية الإجتماعية للإنتاج في الشكل المالي المسمى "الربح" بعد خصمها (قيمة) تكاليف التشغيل ومصروفات حركة الإنتاج. فإن الربح يتعاظم فعلياً بإشقاء حياة الناس. حيث تسحت الراسمالية ثمرات كدحهم المتزايد بقوة تملكها وسائل الإنتاج والخدمات الضرورة لحياة المجتمع وهي قوة تتبلور بنظام الدولة والإقتصاد محليـاً ودوليـاً.

وفي ذا نظام الدولة ينظر التأثيل إلى تكونه أو زواله في خضم حالات معينة خاصة في حين تتفاقم فيه زيادة وعجز ونهوض: زيادة عدد الناس وحاجات المجتمع عن قدرة علاقاته الإنتاجية والسياسية على تلبيتها إقتصاداً وثقافة، وععجز قواه المسيطرة القديمة عن الإستمرار في فرض الوضع القديم دون تغيير جذري ينقص طبيعة وجودها وعملها وأمتيازاته وهو عجز يبدأ ويزيد بنشاط قوى المجتمع الطليعية والقاعدية، الناهضة الحديثة ورفضها الإستمرار في تقبل الوضع القديم دون أن تفقد لتغييره شيئاً سوى أغلالها أو حتى حياتها البائسة ذات الموت البطيء.

فالأزمة الرأسمالية وشيجة بالتنظيم الرأسمالي لموارد حياة المجتمع ووسائل عيشه وهو تنظيم يسمح بتملك بعض الأفراد الوسائل الأساس لتطور وإرتقاء المجتمع وثماره ويحرم العمال والكادحين من النقود التي درتها عملية إنتاجهم للبضائع ويفقر إستهلاكهم للسلع والتي لولا هذه العملية الإنتاجية التي قاموا بها ما كان لهذه الوحدة من وجود أو إنتاج أو ربح.

وتبعاً لهذا الإجحاف والحرمان يضيع جهد الطبقة العاملة في الإنتاج سدى وهباء، فأحوال الفقر والحرمان تهدر كفاحهم لكفاية عيشهم، بل وتضيع عليهم وعلى أسرهم ومجتمعاتهم إمكانات أكبر للحياة والوعي بمصادر خسرهم وغرمهم، وتفوت عليهم وعلى مجتمعاتهم إمكانات الوعي بإمكان تحقيقهم لإشباع منتظم متناسق لحاجاتهم بنظام مختلف في أسسه وأهدافه وألياته الإجتماعية لتوزيع موارد وجهود وخيرات الحياة مما يمكنهم تأسيسه بتنظيم دولة للإشتراكية في توزيع موارد وجهود الإنتاج وثماره الرئيسة.

وينبه التأثيل إلى ان التنظيم الراسمالي للحياة ينتج أوضاعاً وعواملاً نقيضة له يمكنها الإسهام – حال التنظيم الفعال لها- في إشاعة الخيرات المادية والمعنوية لعمل الإنسان، وفي الإرتقاء بطبيعة وجوده من حال الفوضى والتصارع والتكالب والعشواء في سد حاجات المعاش إلى حال أكثر تناسقاً وإستدامة.



فالتنظيم الرأسمالي للحياة وتملك بعض الأفراد موارد عيش الناس بضدية لكرامة وحرية المنتجين، وتطففيه أعباء ومغانم عمل الكادحين في إنتاج الخيرات بتبخيسه قيمة عملهم الحي في إنتاج السلعة ومغالاته في حساب قيمة العمل الكامن المستقر في وجود السلعة نفسها ومادتها، الظاهر في سعر عرضها للتداول وإستهلاك الناس إياها (وأكثرهم فقير من تبخيس قيمة عملهم) يتيح للمستأثرين بملك موارد ووسائل الإنتاج ان يكونوا في الجهة التي تتضاعف لها من التبخيس العوائد. وينتج هذا التطفيف والتفاوت تضخم الأرباح والأموال وتضخم الفقر والغبائن المتولدة منه وإستشراءها في المجتمعات مرزءاً إياها عيشة ضنكاً ويكسب طلائعها معرفة صحيحة بطبيعة الوجود الإجتماعي يتبلور بها مستوى مضاد من التفكير والإنتظام السياسي المعادي للإحتكار والرأسمالية.

ويرافق هذا التفكير والإنتظام السياسي الجديد وجود إمكانات تسهم حال تنظيمها بشكل معين في إرتقاء متناسق لعملية تلبية حاجات وجود ورفعة الإنسان ووعيه، بشكل يرتبط في الذهن وفي الحياة بتفكيك وتدمير الطبيعة الإستئثارية والإستغلالية لإمتلاك بعض الأفراد موارد ووسائل إنتاج المجتمع ومعيشته وخدماته العامة، وضمنها منع تملك بعض الأفراد لهيئات الإعلام ولخدمات التعليم والمعرفة. فمثلما فحاجة البشر لإشباع الضرورات الأولية لوجودهم شيدت معرفة الطبيعة الصماء وإبتكار البشر أدوات حريتهم من عشواءها، كذلك زيادة حاجات البشر في أواخر عهود الإقطاع والرأسمالية وتوقهم إلى الحرية من رهق الإستغلال والتهميش والقمع المادي والمعنوي المرتبط بهم، شكلت معرفة الطبيعة الإستئثارية للنظام الرأسمالي وكشفت أزمته البنيوية. وأيضاً كانت زيادة الحاجات والتوق إلى الحرية من ضغوطها من مبلورات التطور الثوري بالتاريخ لكيانات الفلسفة والعلوم وتناقضاتها مشيدة لتبلور جديد للمعرفة قوامه معرفة أوليات وأبعاد الثورة الإجتماعية وتبلور أشكال وحركة علاماتها في مختلف الأذهان والمجتمعات.

في القرون الثلاثة الأخيرة إذ تطور التنظيم والوعي الحري إلى مستوى راق إمتاز بتقديم خطابات ذات تصورات ذهنية مسبقة لنظم وسياسة الإنتاج الإجتماعي، وبهدم واع بذاته للنظم القديمة التي تعيق تطور المجتمعات والإنسان بتقييدها أسباب العيش ووسائله مثل نظم الإستعباد والإقطاع الإستئثارية التي تحررت منها المجتمعات بكفاح قواها الطليعية وأنبياءها المثقفين ونضالهم لصناعة أدوات وإمكانات تحرر منظوم من أشكال التملك الفردي لوسائل حياة المجتمع فبهذا الوصل الذهني بين الأداة الإقتصادية والأداة السياسية لتنظيم الإنتاج الذي تخلصت به تلك المجتمعات من رزء العبودية والإقطاع بوجودها وعقلها يوم كان العقل دالة تقدم.يمكن بوصل الأدوات السياسية والإقتصادية بالأدوات والمفاعلات الذهنية توليد حراك شامل.



ففي التاريخ الحديث تحررت كثير من المجتمعات من حالة الحاجة ورهق الإستغلال وقسوة التهميش والتهشيم في مرتين متتاليتين قفزت البشرية في الأولى منهما من حالة الإستلاب المقدس إلى حال الإستلاب العقلاني المجرد نوعاً ما من القداسة. وفي الثانية قفزت طلائع البشرية من حالة الإستلاب المعقلن إلى حال الوعي الشمولي والبصيرة النفاذة والعلم الفعال إجتماعياً المحاول تجاوز الحدود "العقلية" المألوفة لتغيير الأشكال السياسية وإبقاء تنظيمها الإقتصادي في حال متقدمة لإتقاد التحرر الإنساني وسطوعه.

في الإنتقال من المقدس إلى الطبيعي وفي الإنتقال من الطبيعي والعقلي إلى الوعي لم يكن هناك وضوح في عرض أو في تناول محورية الذهن شذرات القدماء في إستقلاله لم تك كافية لإيضاح نمو أعمال وشخصية المخ البشري وتحوله من دماغ إلى عقل إلى وعي ولم تفصح عن إمكان تحوله بتناقضات العقل إلى تأثيل.

حدث الإنتقال الأول بالثورات الشمال-أوربية والبريطانية والأمريكية والفرنسية بأثر التناقض بين زيادة عدد وحاجات الناس والتجمع المضطرد المحصور للثروات والإنتاج الحرفي والزراعي والتجارة والملاحة والجيوش والمعارف مما أوقد الحاجة إلى تعميمها وتبلور ذلك في إصطلاحات "العموم" و"الحكومة" و"السياسة العامة" و"الحرية" من قيود التنظيم الإقطاعي العرقية والدينية في الحرف والتجارة والتفكير والفلسفة والسياسة موقدة ثورات التنظيم "الحر" و"الأخوة" في تملك موارد المجتمع وعمليات إنتاجه وتبادله المنافع والمساواة بين الناس بالنقود في حق حيازتها وتملكها بصورة تجاوزت بحرية الحرف والتجارة الرأسمالية شكل الإقطاع المقدس المقيِد بنسب الفرد وعرقه ودينه عملية الحكر في توزيع المنافع والإمتياز بها مما حطم تناقض شكل قداسة التملك والثراء في جهة الحكم وشكل الضنك في جهة تلبية زيادة عدد وحاجات الناس، ولكنه أبقى أساس تلك القداسة المزعومة بتعميمه حرية بعض الأفراد في تملك موارد المجتمع وأيادي إنتاجه وفقاً لقدر أموالهم في نظام رأسمالي مبخس للمنتجين وهم أغلبية المجتمع وربح للملاك وهم الأقلية هنا تبدو تناقضات التكوين الخطي للعقل في وسط إجتماعي متصارع بطبقيات ودول وميله إلى جمع الخيرات وتوليدها من خلال دفع عملية الربط بين الفرد والآلة بتعميم حقوق الملكية المناسبة لإشتغالها نقوداً لمصلحة سيدها وساداتها أي سادات المجتمع الجدد ثم إندفاع مؤسسات هذه الحالة في تصوير أنها هي "العقل" تماماً كالغلاة عند الغلو يتصورونه "الدين" ويحسبون أنهم هم المصلحون. أما في الإرتقاء الثاني للإنسانية من رهق الحاجة ونير الإستغلال وقسوة التهميش الإجتماعي والتهشيم فقد إرتبط بالتخلص من تحكم رأس المال بأسلوبه الحديث في إقطاع المنافع لنفسه، بتدميرها إياه بتنظيم علمي ثوري لفكرة الإشتراكية ألغى فيه العمال والكادحين ركوز المجتمعات إلى آليات السوق والنقود في تقييم الأشياء والأعمال.


فإلى إي حد إستعاض التفكير والتنظيم الإشتراكي الوليد في القرن العشرين عن معيار "المال" في ضبط حيازة الناس لموارد ومنافع إنتاجهم ؟

لحوالى ثلاثة عقود من الزمان 1927- 1956 بدل الشيوعيون آلية النقود العمياء بتنظيم إجتماعي للموارد والمنافع العامة وتوزيع مقاديرها وأعباءها وخيراتها بصورة لا نقودية. كان أساس ذلك التنظيم المفعل ببطاقات الميلاد والعمل وشهادات التعليم والخبرة ضمان حقوق االناس كافة في الأمن من الجوع ومن الخوف من الحياة والمستقبل وتوفير ذا الأمن من الشعب إلى الشعب وبالشعب بتوفير مجاني لمقومات الحياة المياه والغذاء والكهرباء والسكن والطرق والتعليم والصحة والثقافة وقسطها للناس كافة بصيغة (عمل-مقابل-عمل) وتفريدها على المجتمعات والأسر والأفراد بتخديم آلية التنظيم الشامل المُحكم لموارد وطاقات المجتمع وتوزيع موارده ومنافعه بين أفراده بحضور راشد ووعي مستقبلي مخطط وفقاً لحاجات وقدرات المجتمع، وبسَلسَلَة تصاعدية لتلبية إحتياجاته من الضرورات جداً فالضرورات إلى بعض الكمالات والزينة من الأشياء.

وبين الضرورة والزينة في التفكر ففي بعض هذا الكتاب محاولة لتأثيل ما بقي من أثر الإقطاع وقداسته على الإنتقال الأول إلى الرأسمالية وما بقى من ذلك ومن أثر وحشية الرأسمالية والإستعمار والإمبريالية على إنتقال البشر إلى الإشتراكية العلمية وبناء شكلها الأول في إتحاد الجمهوريات الإشتراكية السوفييتية.حيث يتناول التأثيل توافق حركة تحرر وعي الإنسان وإرتقاء تقديره لإمكانية تقدم المجتمعات بالجدل بين الشكل العقلي والشكل الثوري للتفكير خاصة مع تبلور الشيوعيـة كخلاصة فكرية وعملية للمرحلة الأولى من عهود تطور المجتمعات وإرتقاء البشر من حالة الهمجية إلى حال العقل ثم محاولتها الإنفكاك من طاغوته.


يتناول التأثيل "الشيوعية" بطبيعتها العلمية الثورية والنضالية كحركة كادحة للحرية والتقـدم الإجتماعي من قساوات الحاجة والتكالب والحرمان ونشاطها لتحقيق هذه الحرية بتكسير منظوم لأضعف حلقات التفكير والتنظيم الإمبريالي كأولى الإمكانات الموضوعية لمشارفة الناس مرحلة تحرر شامل من كافة أسباب وأشكال الإستغلال والتهميش، الذهنية والمادية في المجتمع (الدولة) المضمحلة ببيطء في التاريخ الطويل بإشاعة -زائدة عبر التاريخ الحديث- لموارد ووسائل الإنتاج والحياة ومنافعه وأمور تنظيمها وحكمها في صورة رقيت بوجود الإنسان وذهنه إذ تنطلق بوعيه من ضرورات المعاش وأحكامها إلى آفاق الجمال.




ولما كانت ولادة الشيوعية ثورة شاملة في المعرفة والوعي والعلم، نتيجة نضال تاريخي للبشر وتضحيات باسلة من الشعوب فقد إهتم التأُيل ببلورة كينونتين يهتم بجدلهما وهما:

1- كينونة حركات التحرر ونضالها ضد أشكال الإستغلال والعداء والحصار والضغط الداخلي والخارجي المتصل .

2- كينونة تشكيل الإحتكارات أنواعاً من القوى والحروب العدوانية ضد قوى وحريات وحقوق الإنسان.

فالنضال الشيوعي ضد رسملة ضرورات حياة المجتمع وإماطته أذى الإستئثار والإستغلال والإستعمار عن طريق تقدم مجتمعات البشر دفع الإحتكارات والقوى الصديقة لها إلى شن حروب حمقاء ضد أسس وأشكال التحرر والشيوعية في كافة مجالات الفكر والعمل إدامة رأسمالية لحالة تركيم أرباح و أثر هذا الجدل بطبيعته الدولية والحكومية السياسيةعلى كينونة الإمبريالية وعلى كينونة الإشتراكية العلمية.

من هذا الجدل وأثاره يتناول التأثيل طبيعة تخديم الرأسمالية وسائل القوة والإخضاع في مجالات المعرفة والثقافة المشكِلة للأذهان وكيفية مقاومة الرأسمالية تقدم الوعي بتخديمها نظماً متكاملة من الأفراد والنظم والقوات والآليات والأسلحة النظرية المتنوعة تشن بها حرب حمقاء على الشيوعية وجذورها في أفكار "العمل" و"العدل" و"العلم" و"العقل" وبنياتها النظرية، في حرب فكرية تشمل التحكم في طبيعة النظر والتأمل ونظم الأفكارالأولية وتحديد الرؤى والمناهج وبناء النظريات والفلسفات وتخديماتها بما في ذلك محاولة التحكم في عرض تكون وبناء ونشاط الفلسفة المادية الجدلية للتاريخ، وحتى في طبيعة تداولها، مما يرافق جدل علوم وفلسفات الرؤى والعلامات وسبكها وصوغها وبثها وإستقبالها وتأويلها.

في إصطدام النضال الشيوعي للسلام والمقاومة الرأسمالية الحروب يتناول التأثيل بعض من حالة تشعس الشيوعية وحركات التحرر ثم تغبرهما حد الإختناق ببروز جماعة "المنشفيك" في قيادة الحياة السياسية لمجتمعات روسيا بـالإئتمار العشرين للحزب الشيوعي لإتحاد السوفييت، كما يتناول التاثيل التكوين النظري القائم على حالة بحث المسميات في الأذهان لا في التاريخ وأثره في مد الطبيعة الإستهلاكية من الإقتصاد إلى المعرفة والسياسة خاصة مع حالة قيام كثير من أطراف وأصدقاء النضال الشيوعي بتجاهل ظروف شعث وأسباب غبرة الشيوعية وغبرة حياة الشعوب المستغلة والمهمشة بل طرح بعضهم القيام بتفكيك الأحزاب الشيوعية ومهماتها بإعتبارها قميص قديم أو آلة أكلها الزمن يجب التخلص منها جملة أو جزءاً جزءا، وبعضهم مال مع التفكيك بقصد علاج العلل. وقد تزامنت في التاريخ عمليات تجديد النظر والتفكير والعمل الشيوعي هذه مع زيادة التناقض في الأذهان بين تقديرين لنوعية الحياة الإجتماعية يتناولهما التأثيل أيضاً وهما:

1- تقدير إجتماعية الحياة وفق مستوى إجتماعية العلم والعمل وطبيعة توزيع الموارد الضرورة لحياة الناس في شكل ماء وكهرباء وإسكان ومدارس ومشافي ومراكز ثقافة ورياضة ومواصلات .

2- تقدير إجتماعية الحياة بعدد حيازات التملك الفردي للمواطن وعدد النقود في حساب كل مواطن وإعتبارهما أساساً وغاية لفاعلية الحياة، دون حساب لأسباب وطبيعة وآثار تفاوت التملك بين أغلبية وأقلية.

كذلك يتناول هذا الكتاب بالتأثيل بعض عمليات (تجديد) النظم الشيوعية التي تمت بإعتبار الشيوعية مجرد درع من جموح السوق يمكن إبداله ببعض قوانين تمنع الفساد والإحتكار أو بدعوات لإحترام مصلحة المستهلك! أو بدعوات للرفق بالدول والمستهلكين المحدودي الدخل! حيث ينظر التأثيل إلى طبيعة تنافي نوع هذا التجديد مع الطبيعة الجذرية للتغيير الشيوعي.

فظهور الثورة الشيوعية في تاريخ البشر وبناءها القاسط للبلاد والمجتمعات وبسالتها في الحرب دفاعاً عنها إرتبط بكونها محركاً موضوعياً لعملية تقدم إجتماعي شامل أرفع شأناً من كونها مسكناً لألآم السوق فظهور الشيوعية إرتبط بتحجيمها نظام السوق وآلياته النقودية وإبداله بتنظيم إجتماعي للإنتاج وتوزيع علمي لموارده وجهوده ومنافعه وفي هذا الشأن يتناول التأثيل الإتهامات الحديثة ضد الشيوعية بالتجمد والقدم كتكرار لإتهامات وصيحات قديمة كانت قد علت أصلاً ضد بلورة فكرة الشيوعية "شيوع موارد ووسائل الإنتاج والخدمات العامة في المجتمع كضرورة لحرية الناس من إفتقارهم ضرورات الحياة ومن تكالبهم افراداً وجماعات على مايتيحه لهم التنظيم الرأسمالي لتلك الوسائل من منافع محدودة".

كذلك يتناول هذا الكتاب بالتاثيل طبيعة خطاب الهجوم علي أفكار الشيوعية وتنظيراتها وإتهامها بالتشدد والتنطع..إلخ منذ آيام تباين ماركس وإنجلز إلى آيام توحد جهدهما ثم تجاوزهما وعصبة الشيوعيين إنبهام أفكار عامة الإشتراكيين.

وأيضاً يتناول هذا الكتاب بالتأثيل مما سبق طبيعة تجدد الهجوم على الشيوعية آيام تجاوز لينين والبلاشفة بثوريتهم عبثية دورة تراكم الإصلاحات في نظام إستغلالي ثم إنقلاب الإستغلال عليها، وقطع البلاشفة بهذه الثورة الحمراء قول خطباء المناشفة بـ"لا جدوى الثورة".

وفي ما بين خطابات الهجوم القديم على الشيوعية والهجوم الحديث عليها يتناول التأثيل الفرق بين تأسيسين شملا القرن العشرين وما بعده:

(أ) تأسيس الخطاب العلمي للإشتراكية كأخر مراحل بداية تكون "الوعي" في مجتمعات البشر نتيجة من جدل عقائدهم وفلسفاتهم وعلومهم مع بعضها ومع وقائع حياتهم وجدل المجتمعات ككل مع الطبيعة ومع التنظيم الطبقي لحياة الناس.

(ب) تأسيس خطاب التخصيص والعولمة في الصحف والإذاعات الإمبريالية وكنفه بين ليبراليتين أو حريتين تبلورتا مع أزمة الديون الدولية بإتصال عهدي ريجان وثاتشر في أمريكا وفي بريطانيا أول ثمانينينات القرن العشرين وهما:
1- الليبرالية (الحرية) الجديدةNeo-Liberalism للتنوع في إطار رأسمالي .
2- المحافظة الجديدة على الليبرالية (الحرية) القديمة لرأس المال الأعلى الإمبريالي وشيج الدولة الإستعمارية والحفاظ بها على عقيدة وأخلاق التملك والربح Neo-Conservatism.

يبدأ تاثيل الفرق بين الهجوم القديم على الشيوعية والهجوم الحديث عليها من تاثيل دخول النضال الشيوعي مرحلة بناء قاعدة نظرية ومادية متكاملة للإنتاج الإجتماعي والخدمات، وذلك بتخديم بأسلوب التخطيط والتوزيع الشعبي لموارد الإنتاج وجهوده وثمراته بصورة لانقودية ولاتجارية. حيث بدأ تأسيس المجتمع الجديد في روسيا والمستعمرات بتدمير أسس وأشكال المجتمع القديم في الإقتصاد والسياسة مما دفع بقايا البرجوازية والمرابين لشن حرب شاملة ضد كينونات الحزب الشيوعي وسياساته الإستالينية الصناعية والزراعية والخدمية وترافقت مع هذه الحرب العسكرية حرب نفسية نظرية وفكرية تمثلت بإتهام الإقطاعيين السابقين وسدنة ثرواتهم وحكمتهم قوى وإتجاهات الإشتراكية الوليدة بالجفاف والجمود والقسوة ذارفين الدموع على تسامح لينين القديم سنوات 1920-1922 مع سوق الزراعة ضد مجاعة الحرب التي أججوها.

ويتناول التاثيل ان جملة هذي الحرب المهول الخاسرة ضد الشيوعية لعشر سنوات منذ سنة 1917-1927 تليت وعززت بحرب أخرى كانت نتيجة من خطية قيم الإقطاع القديم الكاثوليكي الطبيعة وفلسفة هيجل للدولة كإله وقد شنتها كينونة (الإشتراكية الوطنية) لرأسمالية ألمانيا النازية نظرية وعسكرية طيلة السنوات من 1936-1945 ضد وجود إتحاد السوفييت الغني بالمواد الخام بيهوده وأرثوزدكسيه ومسلميه ذارفةً معها دموع آرية على قيام الشيوعيين بإهدار الإشتراكية في روسيا!

السمة الأساس في الهجومين على الشيوعية كانت هي إتجاههما في الجانب النظري من الحرب إلى حشد الأفكار الدينية والفلسفية معاً في صور عافها العقل الأوربي منذ عصر الأنوار وإنفراز الفكر العلمي عن الفكر الديني في فلسفته وفي ممارسته ومنذ تشييد الثورة الفرنسية بدماء كثيرة شملت العالم كله لإستقلال السلطة الدينية والسلطة السياسية عن بعضهما.

يستمر الكتاب في تأثيل الفرق بين الهجوم القديم على تأسيس الإشتراكية العلمية والهجوم الجديد ضد التشييد الفعلي للبناء الإشتراكي وتواصله بعد إنتصار الشيوعيين على الإقطاعيين والقيصر وجيوش الـ14 دولة التي دعمتهم ثم إنتصارهم على الشكل النازي للرأسمالية ونظريته العنصرية وفراغهم من إعادة بناء ما هدمته الحرب في بلادهم وفي شرق أوربا وفي الصين دون أي مساعدة:
حيث يتناول هجوم المؤتمر العشرون بمناشفته الجدد على جملة نشاط الشيوعية منذ سنة 1927 إلى سنة 1956 مما جاء تعبيراً خطياً بليغاً صرفاً عن الطبيعة الطبقية لتيار اليهودية السياسية ضد الميزة الرئيسة للشيوعية وهي إلغاء ديكاتورية التقييم النقودي للبشر وحقوقهم في حياة المجتمع ووقف التجارة بها. حيث رفع المناشفة الجدد قميص الدفاع عن فعالية (=برجوازية) الإقتصاد والمجتمع متجاهلين مضمون كتاب ماركس: "نقض الإقتصاد السياسي".

وفي تأثيل هذا الكتاب لبعض الفروق بين الهجومين القديم والجديد على الشيوعية يهتم بأثر المؤتمر الـعشرين في ضعضعة أسس التناسق الداخلي للبناء الإشتراكي في الإتحاد السوفييتي ونخرهما وتفريغهما بإعتماد السياسات التالية له تقويمين متعارضين هما:
1- التقويم النقودي لإستهلاك السلع بعدما كانت شبه مجانية،
2- التقويم الإداري لعمل الناس في إنتاج السلع دون مراعاة لنقودية الإستهلاك،

كذلك يهتم الكتاب بأثر سياسات المؤتمر العشرين في إضعاف التكاتيكات العالمية لإتحاد السوفييت وإتصال ذلك بتأجيج نزعة التفرد السياسي في عملية البناء الإشتراكي في بولندا، والمجر، وتشيكوسلفاكيا، وفي الصين ويوغسلافيا وألبانيا، وفي مصر وفي حركة التحرر.
في حركات التحرر ينظر التأثيل إلى تراجع بعض عناصرها عن مبادئي التقدم الإجتماعي بقيامها بعزل كينونة "المصلحة الوطنية" عن "المصلحة الشعبية" أي المصلحة الطبقية للكادحين والزراع والعمال وهم أغلب سكان الدولة، كذلك قيام حركات التحرر بشكل عفوي من التفكير الخطي بعزل المصلحتان الوطنية والطبقية عن الطبيعة الجغرافية السياسية لجدل المدينة والريف أو المركز والهامش. وكيف أن هذه المباينات مكنت عناصر التفكير البرجوازي الصغير من التحكم في تفكير ونشاط حركات التحرر وقيادتها ناحية اليمين في مجال طبيعة الدولة والعلاقات الدولية مما قتل كثير من حيوتها السياسية وأفقدها جمهوراً ونحو اليسار في مجال التعامل الإنتقادي مع الإتحاد السوفييتي والعزلة من منه مما أفقدها فعاليته الدولية. من ذلك تراجعت أكثر الدول المتحررة حديثاً إلى صيغ الحياد بين الدولتين الأعظم وحماية (إستقلال) الدولة بقبول التعامل النقودي الرأسمالي العالمي ميزاناً لعملاتها والتجارة الرأسمالية العالمية ميزاناً لمواردها وجهودها مهتمة بتقديم الخدمات لكسب مشروعية سياسية داخلية سريعة دون حساب لضعف إمكانات الإنتاج بالتبادل الراسمالي العالمي في دعم هذه الخدمات وتوفيرها بإستدامة وديمقراطية طبقية وإقليمية وللبنات والنساء.

بهذا النظر أمكن للتأثيل أن يتأمل بعض حالة الإنقطاع الداخلي وبعض حالة الإنقطاع الخارجية التي وضعت فيه كثير من حركات التحرر نفسها ، وأن ينظر ضمنها من جديد إلى طبيعة العناصر والتفاعلات الإجتماعية الإقتصادية السياسية في الداخل التي نتجت من هذا الوضع وكذلك أن ينظر إلى طبيعة العناصر والتفاعلات الإقتصادية السياسية التي نتجت للدولة نتيجة سياستها الخارجية المطففة ناحية الرأسمالية العالمية وعزل السوفييت بإسم عدم الإنحياز.

في ذا الإنقطاع الداخلي والخارجي لحركات التحرر الوطني وما ولده من عناصر وتفاعلات يتناول التأثيل قبول الدول الوليدة جوانب من حرية التملك الفردي لموارد مجتمعاتها وآليات توزيع منتجات الإستهلاك مما إنتهى بمحاولة تقديم كثير من الحقوق كخدمات في التعليم والصحة والبناء لتغيير حالة المجتمع، إلى أزمات في نقص في سلع العيش بحكم زيادة الهجرة إلى المدينة المجزية للتملك الفردي محلات وإيجارات، وزيادة الخدمات على إمكانات الصرف عليها، وبالتالي تدهور الإنتاج والخدمات معاً وتدهور مشروعية الدولة وإقتصادها.

كذلك يتناول التأثيل مع تدهور إقتصاد (الرأسمالية الوطنيةً) وإفلاس دولته فساد دولة التحرر الوطني نفسها في خضم تأجج الحروب الباردة والساخنة ضد الشيوعية وجميع الدول المختلفة عن حالة "الحوار والتعاون الدولي" والتوزيع المهول من عائدات البترودولار للمعونات والديون على القوى الحاكمة في الدول المستفيدة من الشيوعية أو المتعاطفة معها صولاً إلى دعاو التخلص من الإشتراكية أو إبقاءها كالمومياء إسماً وعلامة بلا معنى موجب في الحياة الإجتماعية.

هذا الوضع الأزوم لحركات التحرر الوطني في أفريقيا وآسيا وبعض أمريكا الجنوبية موصول في داخليته وفي خارجيته بتحول معايير النظر عند المناشفة من العمل والتبادل المتكافيء إلى النقود والتبادل التجاري الرأسمالي مما سبب إنقسام وتقسيم اليسار الاوربي واليسار الأمريكي في الستينيات والسبعينيات ثم تسؤد اليمين الجديد في عهد ريجان وتاتشر وبوش وجورباتشوف ودفعه بفعل التفكير الخطي وتناقض عقليته التراتبية المرحلية، نشاط قيم وأعمال الحركات الدينية السياسية للرأسمالية الصهيومسيحية وعصاها ونتيجتها الإسلامية.

إضافة إلى ما سبق يتناول التأثيل الظاهرة الأعم في تفاصيل حرب وهجوم الإحتكارات على الشيوعية كعلم تطبيقي لتحرير البروليتاريا، وإتهامها بالجمود وهي إرتفاع وتيرة هجمات الإحتكارات مع كل أزمة وتناقض بين الضرورات والمفاعيل الإقتصادية والإجتماعية-السياسية في العالم الإشتراكي ونشاطها وممارستها -حسب الحال- إزالة أو تطبيق قانون القيمة والنقود في تقويم الإنتاج الإجتماعي أو في تقويم تبادل المنافع بين أفراد المجتمع ووحداته. ففي كل أزمة بهذا الشأن كانت حركة الشيوعيـة وأفكارها في العالم تسير وفق وصف قائدها فلادمير إليتيش "لينين" الشهير: ((خطـوة واحدة إلى الأمـام خطوتـان إلى خـلــف)).

وإن كان تبعثر تنظيم ما وسياسته يرتبط -بشكل غير مباشر وغير ميكانيكي- بتبعثر أفكاره وآيديولوجياه المحركة، وفق قانون التراتب (المنطقي) في "العقل" فقد كان من الضروري بعد إنفضاض إتحاد السوفييت نقاش قضايا العمل والنظر الشيوعـي بشكل (موحد) في الأحزاب الشيوعية وتقويم تلك القضايا بمنهج مادي جدلي للتاريخ يفحص حاضر العالم والشيوعية ضمن سيرورة تشكل بنياتهما وعلاقاتهما بشيئين أساسيين يمثلان معياراً مفيداً لأي حساب موضوعي لتناقضات العالم الرأسمالي وتناقضات الحركة الشيوعية لتغييره، وهما:
1- طبيعة ووضع النظام الإمبريالي السائد في العالم، (تكاليفه وأرباحه)
2- طبيعة ووضع الممارسة التحررية منه وأصولها الفكرية والتنظيمية.

هذا الميل إلى ذا المعيار الثنائي في مرحلة الحديث العام عن الأزمة الثنائية في العالم لعملية لإستغلال، ولعملية الحرية منه، ميل مواشج لـطبيعة وحدة الواقع الجدلي، ولوجود هذه العمليات وعملها بصورة ثنائية -متداخلة مثل برامج الكمبيوتر كمحركات وكمجالات حركة- لتقييم أوضاع شعوب ودول العالم في النواحي الإقتصادية السياسية والإجتماعية الثقافية ولتقويم نضال الحركات التقدمية والأحزاب الشيوعية لتغيير عناصر ونظام هذا الوضع العالمي .

تقويم الأحزاب الشيوعية وخطابها يكون أكثر تناسقاً إذا شمل ككل واحد تقويم الحاضر المحلي والدولي، ونسق النضال الحزبي، طبيعة تنظيم موجهاته وتكاليفه ونجاحات تحقيق هذه التكاليف والصعوبات التي عاقت بعضها والإمكانات الممكن إضافتها لقوته بمنطق ومقتضيات الصراع التاريخي ضد النظام الإحتكاري ومواصلـة نقضـه.

ولكن هذا المأمول من وفي كل تجديد شيوعي، تنوعت جهاته آخر القرن العشرين إتجاهات عددا فمن إتجاه سالب للتصفية الذاتية لأحزاب الشيوعية ونظامها السياسي كما حصل في أوربا الشرقية بإتجاهات مسخت أحزاباً شيوعية إلى أحزاب إشتراكية ديمقراطية كبيرة جوارها أحزاب شيوعية سرية وصغيرة، إلى إتجاهات أخرى موجبة لوجود ونشاط الأحزاب الشيوعية ساطعة في أمريكا واليابان وغرب أوربا وفي أمريكا الجنوبية وآسيـا وأفريقيا تناضل جميعها لأجل تنمية إشتراكية متكاملة لأحوال بلادها والعالم.

وإزاء ظاهرة تباين القراءات والممارسات العامة للأحزاب الشيوعية رغم وحدة آيديولوجيتها ونشاطها في ظل أوضاع عالمية مشتركة، فإن هذا الكتاب ساع مع غيره إلى محاولة تحديد بعض العلامات المُحركة للمعايير السياسية للمعرفة والتفكير والثقافة وكيفية إرتسامها في الذهن مؤثلاً إياه بأساليب حركتها وغاياتها التي ترتبط بإختلاف الخطابات وإختلاف قراءات الحاضر الدولي والمحلي وتناقضاته الجذرية.

تأثيل المعرفة والتفكير والثقافة في عملية الذهن لإنتاج "العقل" الإشتراكي العلمي بسمته الماركسي الللينيني وما فيه من تناقضات لا ماركسية ولا لينينية يقارب التأثيل بعلوم العلامة والسيمياءات الكلامية .

و في ذي المقاربة لتقعيد الصور في كلمات ومعاني أو تحوير هذه المعاني والكلمات إلى صور فكرية لا يحاول هذا الكتاب القيام بتأثيل لسانيات وسرديات وعلامات وسيماءات الكلام السياسي في شأن التقدم الإجتماعي وسيموزاته إلا ضمن تقص لبعض الظروف الداخلية الرئيسة في بنية الأحزاب الشيوعية وبعض الظروف الموضوعية التي تتأثر بها وهو تقص متنوع الفلسفة:

فنشوء حالة إختلاف القراءات في و بين أحزاب تلتزم بقوانين موضوعية وعلمية متماثلة لضبط المعرفة والتحليل والعمل في مواجهة نقيض واضح هو الإحتكارات المحلية والدولية يحوج إلى قراءة تجليات المادية التاريخية على ضوء تطور فلسفة الذهن والتفكر Idealism المثالية وبعض من فلسفة العلوم السلوكية والنفسية إضافة إلى محاولة ضمنية لفهم طبيعة التناقضات بين الأفكار الشيوعية ونظمها وممارستها السياسية في الحكم والمعارضة وفي دول المركز الرأسمالي وفي الدول المستغلة أو المهمشة المستتبعة لهذه المراكز.

ولأن تاريخ تباين الأوضاع العقيدية والفكرية والثقافية يرتبط بتباين التاريخ الإجتماعي الإقتصادي السياسي لتأسسها، بتأسس كل منها في ظروف مختلفة، كان لزاماً على التأثيل بعد تناوله المجال الكبير الطبقي والثقافي لتعين المفردات من معرفة وفهم طبيعة العلامات الإجتماعية الثقافية لإختلاف ولإتفاق تكوينات بعض المجتمعات والإحزاب ذات النظرية الواحدة (إفتراضاً) كمقدمة منطقية لزيادة تنوع نظرات الأحزاب وأفكارها وحتى لمحاولة علاج إنقساماتها بأسلوب إستيعابي. فالنظرية الواحدة لاتعني تطابق القراءات وكذلك إختلاف القراءات لا يعني إختلاف النظرية، لكنه قد يتضمن إختلاف المعاني وإختلاف الممارسات. هذا يقود إلى طبيعة العلامة وجدلها في الحالة الخطية وفي الحالة المجرة.

في تأثيل طبيعة العلامات الثورية وطبيعة العلامات الرجعية حسب النسق الجدلي لأي منهم يدخل التأثيل إلى غابات وإلى صحاري (الحلول) التي طرحتها القوى الموسومة بـ"الجمود" وتلك الموسومة بـ"التجديد".

في غابات تلك القوى أو في صحاريها يسعى التأثيل في نظره وتأمله ودرسه الإصطلاحات المحيطة بطبيعة حياة المستضعفين والكادحين في إنحاء العالم، وفي كثير من دول أفريقيا وأمريكا الجنوبية وفي آسيا على وجه التخصيص التي يتعرضون فيها إلى صنوف الإستغلال والتهميش وتغريب العمل وإنسانه وإستلاب الوعي بفعل ديكتاتوريات رأس المال المدنية والعسكرية وإملاقها وحروبها - يسعى التأثيل إلى تلمس بعض الفروق بين أمرين:

(أ‌) ما تدفع إليه تلك الطبيعة والإصطلاحات المرادفة لها من أفكار ثورية تعزز الشيوعية وتهدف لتخريب وتدمير نظم الإستغلال والإستلاب،.

(ب‌) ما تقدمه البرجوازية في خارج وفي داخل الأحزاب الشيوعيـة من إقتراحات وأفكار تحاول إصلاح الحياة وتنظيفها من قهر وظلم وتلوث السيطرة والمركزة الطبقية والإقليمية والجنسانية دون أن تقضي على العلة الأساس المنتجة هذا الطاغوت المثلث الذي يجعل بعض الناس أرباباً لبعضهم الآخر، وهي علة الإختصاص والإستئثار بملكية موارد ووسائل وثمرات الإنتاج وخيراته في جهة إحتكارية وتوزيع أعباء وعواقب هذه الإثرة والملكية على العجزة والنساء والأطفال وسكان الريف وعموم الكادحين والمنتجين في جهة تعميمية!؟

هنا ينتقل التأثيل من بحث علامة فهم معين جزئيةً ضمن هذه الآيديولوجيا أو تلك إلى حال جديد يتناول العلامات والسمات العلمية في كل آيديولوجيا كما يتناول إسهام كل آيديولوجيا في بناء كيان علمي لتوزيع الموارد والجهود وتنظيم الإنتاج والإستهلاك في المجتمع كمعيار لصلاحيتها.

في هذا الصدد يمكن القول أنه مع تخاذل المناشفة وحركات التحرر الوطني والدول المستقلة حديثاً ثم تكسير وتكسر إتحاد السوفييت وخنق دوره الدولي المساند للدول المتحررة والمنافح عنها ضد أشكال الإستلاب، فإن كينونة ما سمي "النظام العالمي الجديد" بما فيه من تسويق لحقوق الدول والشعوب والطبقات الكادحة شكل المجال الحيوي لطروح التجديد في الأحزاب الشيوعية، رغم إنعقاد أكثرها بأمور وأوضاع داخلية، وقد أنتج هذا الطرح لبساً كثيراً في علاماتها.

فإضافة إلى قيام هذه الطروح بأشكال عددا بإعفاء بنية "الإمبريالية الجديدة" أو "الإستعمار الجديد" المحلية والدولية من النقض البنيوي العميق والمتصل، فقد خففت في تعاملها مع معطيات القوة العظمى في الحاضر من إرتباطها الهيكلي بالقوة الأضعف وهي قوى المهمشين والكادحين والطبقة العاملة وفكرها الثوري ونظريته السياسيـة الماركسية-اللينينيـة، فبحثها المتصل خارج المعايير الإنتقادية للتاريخ والمجتمع والإقتصاد السياسي عن تجديد (فكري) صرفها موضوعاً عن مسألة التنمية النضالية المنظمة لـعلم الثورة الإجتماعية بطابعه النظري التطبيقي.

وبالإنقلاب السياسي الفكري لهذا النوع من (المقترحات) ، تتفاقم تناقضات العقل السياسي وتزيد قوة ألوان العداء ضد العقلانية في المجتمعات المختلفة، وتترى تنظيرات اللا أدرية والأنسحاب والقعود كما تسد كثير من الأبواب الفكرية للتطور الإجتماعي بتخديم الدعاية العلمية لغلق حركات العقلانية والتحرر الشامل المتناسق بإعتبارها مصانعاً فكرية-إجتماعية لإنتاج الشيوعية بدعوى تجديدها، مما يتم، بشكل علني في كثير من أعمال مراكز البحوث وأجهزة الإعلام ووسائط التثقيف حيث يتم إضطهاد أو إعتقال أو إعدام الأسس العلمية المادية الجدلية والتاريخية، التي ترى أهمية وطليعية الطبقة العاملة وحزبها السياسي في قيادة الثورة الإجتماعية.

وتنفي خطابات التجديد أهمية تجاوز المجتمع للأطر البرجوازية للحياة الإقتصادية والسياسية، التي تركز الثروة والسلطة في يد قلة، كما تنف أهمية الثورة كأساس لتحرر المجتمعات من قيودها وزيفها. فإن هذا النفي والإبتذال لأهمية تجاوز واقع الإستغلال والتهميش يأتي بحجة خطية يحل فيها الجزء مكان الكل مثال ذلك حجة وجود "ثورة علمية" وضرورة الأخذ بها، بعدم أخذ أي موقف نظري كقاعدة إنطلاق نظري مسلم بها، والإكتفاء من المعرفة والعقل بالفحص المستمر لكل الأفكار والفلسفات في حالة تحوج وجود النهار إلى دليل!

وهذه الدعوة المتكررة بخطاب التجديد للغرق في التفكير والتحليل بدون معايير تأتي نقيضة لدفع تاريخ تحرر الإنسان وذهنه وتطويره للعلم من مقام التجمد بحال التقصي والتأمل المستمر إلى مقام التقدير والتغيير والتنمية والتنمية المستدامة. إضافة إلى رفع التحرر الإجتماعي وثوراته المتتابعة في الذهن والعقل والوعي وجود "العلم" من حالة الكمون في المختبرات والمكتبات والقاعات والسـطور إلى حال الممارسة الثورية للتحريـر الإجتماعي برشدية تكونت بالتطور الجدلي للطبيعة والطبيعة الإجتماعية، وبنضال دؤوب أفنى فيه الإنسان بمهارة زائدة، نظم الجهل والحرمان التي كانت قائمة بعهود الشيوع البدائي والعبودية والإقطاع، وكسر في التاريخ الحديث لنظم التراتب الخلود المزعوم للرأسمـالية والإستعمــار.

لذ، من كل هذه التفاصيل التي شكلت أولات هذا الكتاب يبتلور "التـأثيـل" ككيان ذهني متنوع في تكوينه نظراً وتأملاً وعملاً في صورة نفي لأوضاع القمع الطبقي في الحياة أو في مجال الأفكار وصراعها أو حتى في جهة الأوضاع النمطية السائدة المألوفة في مجالات الحياة واللغة والممارسة الحياتية اليومية بمجالات العائلة والتعليم والثقافة.

و إضافة إلى تناول التأثيل أمور الشيوعية والرسملة والدين وأشكال متتنوعة للصراع الطبقي والقومي وبعض تواريخ وثقافات هذه الأمور في شكل نقيض لوجود القمع وأشكاله الخطية الظاهرية والبنيوية العميقة في التاريخ، فإنه يؤثل في داخلها ما هو ثوري وضروري لتغيير واقع الإستغلال والتهميش والإستلاب تغييراً جذرياً أخراج اللألي من البحار .

من ذلك على نهاية هذا الجزء الأخير من المقدمة تأثيل القمع الطبقي لا في أشكاله الطبقية والقومية والعرقية والجنسوية في اللغة، بل بمحاولة التأثيل تحرير الكتابة نفسها، بهذا الكتاب، من نسق الخط الواحد لتناول الأمور، وإلتزام الإشعاع، أسلوباً من طبيعة الكون لتداخل وتفاعل أنساق ومستويات النظر للأمور، بصورة تزيد الذهن قوة ونشاطاً بنمو حريات عناصر بفعل التخلص من تأليه "العقل" وعقلية التراتب والغرف المغلقة في التفكير التي وسمت تطور التفكير منذ آلاف السنوات في الجزء الأول من محاولته معرفة أبعاد الطبيعة .

وما التأثيل كله إلا معرض ثقافي ومحاولة لزيادة تأجيج النيران الفكرية للصراع الطبقي المشتعل في بلادنا والعالم، وقبس ناره، لإشعال عدد أخر من المشاعل وحتى النجوم الغابرة، تبدد جزءاً من ظلامات ألوف السنين، وهو كتاب بلا شك ستلتهمه نيران الصراع الطبقي وأشكاله ولكنها ستتأجج به مثلما إلتهمت جدلية ماركس المادية والتاريخية مجمل العلم والفلسفة والتنظير القديم ووضعتها عقلاً في محاولة لتأسيس "الوعي" فهذا التأثيل النوبي القديم يمثل خروجاً للذهن بتراكمات وتناقضات هذا الوعي وعقله ومنها إلى حال التأثيل. شكلاً جديداً للنظر والعمل الشيوعي الثوري في مجال الثقافة وفي مجال قضايا المعرفة والخطاب.

العزاء فيه وفي السنين التي إقتضاها فيه وفي الصراع والنضال لأجل كشف أو تثبيت أو نقد بعض أفكار هذا النضال هو: أن نار هذا الصراع وآثاره ستقلل ولاشك من الظلامية والعدمية التي تدلهم بها القوى الإمبريالية وإحتكاراتها على حيوية الطبقة العاملة وعموم الكادحين، وعلى حيوية المناطق والشعوب المهمشة، وعلى حيوية الأشكال الثقافية لوجود الإنسان، وعلى حيوية وحرية الحركة الشيوعية في كسر القيود المادية والفكرية المعيقة للتقدم الإجتماعي المتناسق والمقيدة عملية كدح الإنسان إلى تحقيق القيم السامية وإسلام الأعمال والأذهان من نصبها أصناماً ومن تشويش "العقل" معانيها بفعل تكوينه بأجهزة وموضوعات وأشكال تفكير قديمة وبفعل تناقض عمله في نطاق الوعي، مع إنفتاح علم الثورة الإجتماعية.

ملحوظة: هناك إختلاف في المسافات بين الفقرات -في بعض الأحيان- نتيجة من إختلاف طريق وصيغة عرض المطبوع في هذا الحيز بنقله من شكل الكتاب التقليدي إلى شكل القرآءة في الإنترنت.



#المنصور_جعفر (هاشتاغ)       Al-mansour_Jaafar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقاط في تحرير القيمة التاريخية لعَبدُه دهب
- ليبرالية الورى والدنيا في دولة الإنجليز وفئآتهم العليا(3)
- ليبرالية الورى والدنيا في دولة الإنجليز وفئآتهم العليا(2)
- ليبرالية الورى والدنيا في دولة الإنجليز وفئآتهم العليا (1)
- ليبرالية الورى والدنيا في دولة الإنجليز وفئآتهم العليا
- تقاسيم الورد على الغناء المنير
- الهامش .. بين المركزية الأوربية و المركزية الأفريقية
- ضعف مقالات كوش وقوتها
- بسم الله
- آن أوان الفرز والتنقيح .. -الحوار المتمدن- وضرورة التأسيس ال ...
- في -نهاية النقود ومستقبل الحضارة-
- إشراقات على صفاء باريس
- ستون عاماً من النضال الشيوعي في الصين
- الهرم: أحمد السيد حمد
- ضد الليبرالية: نحو نظام إشتراكي عالمي
- دليل المخابرات …(المؤرخ) توينبي مساح خُطط (حضارة) رأس المال ...
- عناصر لقاء ناجح بحضرة الأستاذة فاطمة الزهراء
- يا أم المساكين
- لأستاذ إسماعيل العتباني
- خفق الإنتصار للحزب ضد تيار (سِيِبَك، فِكك منو) !


المزيد.....




- اعتقال الشرطة الأمريكية متظاهرين في جامعة كولومبيا يؤجج الاح ...
- الحزب الشيوعي العراقي: معا لتمكين الطبقة العاملة من أداء دو ...
- -إكس- تعلّق حساب حفيد مانديلا بعد تصريحات مؤيدة لأسطول الحري ...
- انتشار التعبئة الطلابية ضد الإبادة الجماعية الإسرائيلية
- بيلوسي للطلبة المتظاهرين: انتقدوا إسرائيل كما شئتم لكن لا تن ...
- فرنسا: القضاء يوجه اتهامات لسبعة أكراد للاشتباه بتمويلهم حزب ...
- ضغوط أميركية لتغيير نظام جنوب أفريقيا… فما مصير الدعوى في ال ...
- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - المنصور جعفر - التأثيل (1)